jeudi 4 septembre 2014

رأس المال وفأس الإرهاب - عبد المجيد بنقياس

تكاثر الأنشطة الإرهابية بأصنافها ودرجاتها،من اللّفظي إلى الجسدي،وبعدّة مواقع جغرافية شملت المؤسّسات والجبال والقرى والمدن،كما تسارعت وتيرة كلّ وسائل الإعلام بالوصف والتشخيص والتّحليل والاستشراف.لا يمكن لاستفحال هذه الظاهرة بتونس ولا للجدل الذي تسبّبت فيه ولا المقاربات أن يتركا تونسيا واحدا،يعنيه الشأن العام،دون الخوض في هذا الموضوع،إن لم يكن بالمشافهة بفضاء مغلق(ندوات)أو بالتعليق بالفضاء الإفتراضي أو بالأطروحات بوسائل الإعلام المكتوبة(جرائد/مجلاّت).لا جدال في إنّ الاختلاف في ماهية الإرهاب يؤدّي حتما لتشخيص ومقاربة مختلفة حتّى وإن كان هناك اتفاق حاصل في التوصيف الافتراضي للمنابع المغذية لجذور الظاهرة وتأثيراتها الفرعية ونوعية ثمارها.فالكلّ لم ينكر أنّ الجذور عميقة ذات صبغة اقتصادية واجتماعية وسياسية وتربوية،لكن هناك اختلاف حول المفهوم. في هذا الإطار تتنزّل هذه المحاولة علّها تساهم بمقاربة تختلف أو تعمّق القراءات المتواترة لعلاقتها العضوية بمفهوم الإرهاب.

اتفق جميع المفكرين على التعريف القانون الجنائي للإرهاب الذي تشير إلى تلك الأفعال العنيفة المتعمّدة والموجّهة التي يقوم بها شخص أو مجموعة أو دولة تهدف إلى التّخويف،ويكون موجهاً ضد الأفراد أو المجموعات أو الدول.رغم ذلك،لا يزال الجدل قائما حول مفهوم الإرهاب وتكاثر الاجتهاد في التعريف إلاّ أنّ أغلبها تستثني جانبا وتهمل آخر وتشدّد على ثالث بحيث بقى كلّ من يروم مقاربة ظاهرة من ظواهر العنف يفتقد لمفهوم متفق عليه.إن عدم الاتّفاق هذا مردّه عقائدي وسياسي ومالي،فهذه منظمة"حقوقية"تساند النهج العنصري لا تقبل بتصنيف مثل هكذا ممارسة عنصرية بخانة الإرهاب،وهذه دولة تنتهك حق شعب في تقرير مصيره تصرّ على عدم رصد الفعل الاستعماري ضمن خانة الإرهاب،وهذه دولة مصنّعة للأسلحة لا تريد وضع التّسليح وتجارة بالسّلاح  في تلك الخانة،وهذه مؤسّسة مالية عالمية حاضنة لتمويل عصابات إرهابية تدفع في اتجاه رفض تصنيف أنشطة كهذه في تلك الخانة وهذه حكومة تنتهك الحقوق الأساسية ترفض تصنيف تلك الانتهاكات ضمن خانة الإرهاب...الخ.لكن رغم النواقص التي سبق ذكرها فإنّ هذا لا يمنع بعض التوضيح باعتبار أنّ بعض الأنشطة منزّهة من الإرهاب،من وجهة نطر العديد من المفكرين،وإن اجتهدت الرأسمالية المتوحّشة،والأنظمة الغاشمة،والعنصرية لحشرها ضمن تلك خانة الإرهاب.

بادئ ذي بدء،وجب التّنبيه على ضرورة التوضيح الفرق بين الحراك الإرهابي والحراك الثوري،لأنّ أعداء كلّ حراك ثوري يرومون التّعتيم على الفرق بينهما لغاية ابتداع مقاربات وقوانين خارقة لحقّ الانتفاض والتحرّر.فالفرق واضح برغم التّعتيم المقصود بين الاثنين يمكن اختزالها في نقطتين:
  • ·         هناك تناقض من ناحية الأهداف العامة والخصوصية التي يرنو إليها كلّ منهما.فالإرهابي يهدف إلى التّسلّط والجاه لصالح فئة صغيرة في حين أنّ هدف القوى الثورية هو سلطة شعبية ونظام اقتصادي ضامن لتقاسم الثروة؛ 
  • ·         هناك اختلاف في الطّرق والوسائل المعتمدة ففي حين يعتمد الإرهابي على شبكة عنكبوتية من الخلايا الهرمية تعتمد على جمع من الأشخاص و/أو الحكومات الأجنبية للتمويل والدعاية والتنفيذ على عكس القوى الثورية المنصهرة في أوساط الفئات المهمّشة،وهي أغلبية،قصد التغيير وهي لا تعتمد العنف إلاّ لغاية التحرّر ودرء إرهاب الدولة.
كما تجدر الإشارة إلى أنّه لا وجود لإرهاب على شاكلة وجه"جانوس"ذاك الربّ في الميثولوجيا الرومانية،وجه ملائكي،يوصف به ما تمارسه السلطة الحاكمة من إرهاب وعنف،وآخر شيطاني يلصق بما يفعله مناهضيها على اختلاف مراجعهم وتشكيلاتهم وأهدافهم.كما وجب التأكيد أنّ للإرهاب عديد الأوجه سيقع ذكر بعضها. 

كلّ الأنظمة الاقتصادية التي أسّست على قاعدة اقتصاد السوق،حيث تصنّف الأشياء والأحياء وفق معيارين:مدى الإضافة في تراكم الأرباح المادية،أولا،ومدى المساهمة في تسلّق السّلم الاجتماعي والسّلطة،ثانيا.فكلّ نشاط إنتاجي أو خدماتي،مادي أو غير مادي،يؤدي إلى المزيد من تراكم رأس المال المالي والبشري فهو محبّذ بل مستهدف فتصاغ لأجله القوانين وتسهّل له الإجراءات وتسخّر من أجله الأموال وتوظّف له القوّة.نظام على مثل هذا النمط والمنوال،وإن كان في بداياته،لا يعطي قيمة للفرد البشري إلاّ من زاوية الفائدة المادية،لا يمكن إلاّ أن يكون إقصائي بطبعه،والإقصاء يولّد حتما ردّة فعل مماثلة تزداد قوّتها وعنفها كلّما توفّرت الوسائل،والمال إحدى أهمّ هذه الوسائل.فـ"اليد الخفية"،أي ما هو مفترض لضبط التوازن بين العرض والطلب في اقتصاد السوق،تولّد بالضرورة أيادي العنف والإرهاب على شاكلة"الغاناش"ذاك الربّ المجسّم في صورة فيل بأيادي عديدة كما رسمته الميثولوجيا الهندية.لعلّ رمزية قصّة قابيل وهابيل في أصلها وأبعادها خير دليل على لما سبق ذكره باعتبار أنّ أصل الإرهاب والعنف والقتل يكمن في الاختلاف حول الخيار بين نمطين من الاقتصاد الاجتماعي،فالأول طمح إلى نمط متداول ركيزته الفلاحة(أهل زرع)وما يختزله من فرق في السّلوك الاجتماعي(ثقة في النفس،رفض الانصياع،حرية الاختيار)مع فهم محدّد لمعنى الزمان(تواتر،حيطة،ادخار)والفضاء(محدود،استقرار)،أمّا الثاني فقد بغى نمط أساسه الرعي(أهل ضرع)وما له من تأثيرات سلوكية(انعدام الثقة،استسلام)واجتماعية(انعزال،أسرة أبوية)مرتبطة بفهم معيّن للزمان(فصول الإنجاب وقواعده)وللفضاء(مفتوح وغير محدّد من الكلأ والماء)لكنّ الاحتكام إلى قوانين التطور الحضاري(النّار في هذه القصّة)حكمت بالقضاء(حرق)على الأسس المحافظة(الكبش السّمين)وأعطت فسحة من النشوء والحياة للتقدّم(حزمة السّنابل)وما قتل قابيل(قوى التقدم)لهابيل(قوى المحافظة)إلاّ رمز للقانون الطبيعي المختزل في مقولة داروين:"البقاء للأفضل".

كلّ المحلّلين،على اختلاف اختصاصاتهم ومدارسهم الفكرية،يؤكدون أنّ للمال دور مهمّ في كلّ الأنشطة الإرهابية لكنهم يختلفون في مدى منسوبه ونسبته وبالتالي تختلف المقاربات لمقارعته؛فالبعض يرى أنّ المنسوب كبير وينسبه لأيادي خارجية ووافد عبر شبكة أخطبوطية أو حكومية فتراها تبحث عن المعونة الخارجية،فاتحة كلّ النوافذ أمام الاستخبارات والقوات العسكرية الخارجية كما تطلب الهدوء الداخلي تحت يافطة"الوحدة الوطنية".أمّا البعض الآخر فيقلّل من شأن التمويل في النشاط الإرهابي ويراه ذي منسوب ضعيف بين أيادي بعض المهرّبين المهرّجين المحلّيين مكتفين برفع شعارات من قبيل الـ"وحدة الوطنية"والـ"انتقال الديمقراطي"والـ"تداول سلمي على السلطة"لفسح المجال أمام الاستثمار يراه البعض كفيلا بتحويل وجهة الشباب نحو العمل بدل الإرهاب.لكن المتأكّد والبديهي،كما سبق القول،أنّ رأس المال لا يقف أمام أي استثمار أو نشاط قد يدرّ الأرباح المالية ومعروف أنّ رأس المال لا يعترف بالموانع القانونية أو بالأعراف الأخلاقية،وخير دليل على ذلك القيمة الهائلة من التمويلات التي رُصدت من طرف عديد البلدان الشرقية والغربية زمن حروب التحرّر الوطنية وخلال الحرب الباردة،وما ترصده العصابات المتاجرة بالمخدرات والأطفال والأعضاء البشرية من أموال لاقتناء الأسلحة من شركات عملاقة كائنة ببلدان تدّعي مقاومة الإرهاب،أليس الإنذار، والطّرد التعسفي،والتّسخير،والتهديد بغلق مؤسسة من أصناف الإرهاب؟أليس التهديد بخصخصة مؤسّسة حكومية وسيلة من وسائل الإرهاب؟أليست ظاهرة"الهجرة السرية"عملية فرار من إرهاب البطالة الذي سلّطته الحكومات الراضخة لخيارات رأس المال؟وأخيرا وليس آخرا،أليست الحماية الأمنية والعسكرية والسياسية التي توفّرها بعض الحكومات لحكّام داعمين للإرهاب من قبيل المشاركة الفعلية في نشر الإرهاب؟.بالإمكان الإقرار،ردّا على نصف الحقيقة المتداولة القائلة بأنّ هناك"مال سياسي فاسد"،بالحقيقية الكاملة بإضافة الألف واللاّم للتعريف والتأكيد على أنّ"المال السياسي فاسد !".إنّ المتاجر بالجسد البشري(زنا،عبيد،أطفال،كفاءات علمية،أعضاء بشرية)،وبالأشياء النّادرة(تحف أثرية،مخدّرات،كحول،أسلحة،مال ربوي)،وبالإنتاج الفكري(ابتكارات تقنية أو فنية)لا يعترف بالمحرّمات الشرعية أو التشريعية المحلية والإقليمية والكونية،وتاريخ البشرية حافل بمثل هكذا أنشطة تجارية.

لا يختلف عاقلان حول مراحل تشكّل النشاط  الإرهاب المعقّّد من حيث عناصر النشوء والفاعلين،والذي يمكن اختصارها بمماثلة بيولوجية:إنّ الإرهاب جنين لتزاوج ثلاثي صلب الذات الإرهابية،تزاوج بين الطّموح إلى السلطة والبحث عن الجاه وامتلاك القوّة.كلّ هذا يتغذّى،كما برحم أغلب الثدييات،من شبكة من الشرايين،ذات نوعية عقائدية،وسط رحم اجتماعي يسوده انعدام التوازن وتحكمه آليات الولاء لاستكمال بعض مراحل النضج الدّاخلي.بعدها،عندما تتمّ الولادة ويخرج ذاك الجنين إلى الملآ  يحضنه البعض خلال فترات النموّ حتىّ يبلغ سنّ"الرّشد"فيدعو وسط نفر من الغاضبين،غير القابلين بالوضع العام،الذين يعيشون لسبب من الأسباب الآتية أو مجموع بعضها أو كلّها:أسباب ذات بعد عقائدي/إيديولوجي/ثقافي و/أو اقتصادي/سياسي/اجتماعي المساواة.فيمارس الإرهابي الدّاعي نوع من التّخدير الذهني،سالبا العقول ملكوت التفكير ومغلقا كلّ فضاء قد يسمح بنضج الذّكاء الجماعي.يكفي أن يحوم نفر قليل حول هذا الفرد"الكاريزمي"حتّى تبدأ بالدّعوة الهادئة المهادنة الإصلاحية مع محاولة انعزالية لبناء بديلا للقائم من الأوضاع.ما إن يتكاثر الجمع،تحت فعل الموجات الأولى من الدّعوة حتّى يتحوّل أسلوب المهادنة التقيّة إلى موجات من الانتفاض والدعوة لممارسة العنف لغاية التّموقع صلب مفاصل السلطة.من العادة أن يكون الفاعل الأصلي ذو شخصية"كاريزمية"منحوتة بخليط من بعض الأفعال المحبّبة وبعض الزّاد المعرفي وبقدرة هائلة على المجادلة والخطابة.غير أنّ هذه الشخصية الـ"كاريزمية"عادة ما  لا تنسّب الأشياء(تشخيص،معالجة،وقاية)فتفتقد بالتالي للواقعية في مقاربة الظواهر والوقائع،وكثيرا ما تزوّق الحقائق ببعض الخوارق والأساطير،وكثيرا ما تلجأ للإرهاب والعنف في حالات العجز عن المقارعة.قد لا تكفي،وعادة ما لا تكفي،كلّ هذه السّمات والـ"خصائل"لوحدها باعتبار ضيق الفضاء وقصر الزمن،فيطلب من الشخص الـ"كاريزمي"التفرّغ للدعاية والمحاضرة والتنظيم.هكذا أصبح لرأس المال دور هام لتوفير المستلزمات الضرورية لمثل هكذا نشاط.فأصبح التمويل من ضرورات النشاط،بل ضرورة أساسية،لتجنيد رأس مال بشري ولتوفير المستلزمات اللّوجستية لتأسيس القوّة الهجومية.هكذا تتحوّل الخطط التكتيكية من المرحلة الدفاعية الدعائية المعروفة بمؤشّر الرفض وعدم الانصياع والخضوع وبكثرة التّطارح والمحاججة،ومنها إلى مرحلة المحافظة على الذّات عند التعرّض إلى إرهاب الخصوم التي من مؤشراتها المماطلة والتهرّب للالتفاف على الأوامر والنّشاط السريّ للقيادة،لتنتهي بمرحلة ثالثة هجومية المنحى وهي مرحلة الخروج عن السلطة القائمة لإسقاطها وتفكيك مفاصلها باستعمال القوّة.من الظّاهر،أنّه لا يمكن لمثل هذه المراحل الثلاث أن تنجز بدون موارد مالية التي من الممكن الحصول عليها بشتّى الطّرق منها:ابتزاز صاحب رأس مال،سرقة الأموال أم ما يدرّ بالأموال،المتاجرة بما يدرّ الأموال،انخراط طوعي لصاحب رأس مال...الخ.

إذن،لكلّ نشاط إرهابي لا بدّ من رصيد هائل من المال مركّب من عدّة رؤوس:رأس مال مالي ورأس مال طبيعي أو تجاري أو فنّي يولّد الأموال ويراكمها،ورأس مال بشري مسخّر لوظائف النّشر والدعاية والتّحريض والعنف المسلّح.يمكن أن يشقّ تلك الشبكة بعض الخلل في علاقة بأهداف فرد أو عصبة وأخرى بالأولويات الآنية و/أو المتوسطة و/أو بعيدة المدى،لكنّها شبكة مجمعة على ألاّ تستثني أو تستبعد أية وسيلة من الوسائل المتاحة لتحقيق الغايات.لذا،فكلّ الوسائل المتاحة هي بمثابة فؤوس بيد الإرهابيين،يرفعونها فوق رؤوس الجميع.
أمام تقاطع المصالح بين رؤوس الأموال وماسكي فؤوس الإرهاب،لسائل أن يسأل:لماذا يستثني أو يتفاد أو يتناسى المحلّلون ووسائل الإعلام هذا الجانب عند طرح وتطارح موضوع الإرهاب؟ هل هو نتيجة الخوف من ردّة فعل أصحاب رؤوس الأموال أم هو خضوع بمقابل لرغبتهم في التخفّي أم هو نتيجة لسوء زاوية المقاربة لا أكثر؟

إنّ رأس المال إرهابي بطبعه،وليس بالـ"جبان"كما قيل،فهو يمارس الإرهاب ويدعّمه عند تأسيس كلّ نظام اقتصادي/اجتماعي إقصائي يضمن تراكم رأس المال،وهو يمارس الإرهاب عند تمويله للبلادة الذهنية وعندما يدعّم التّسطيح والتّعتيم الإعلامي،وهو يمارس الإرهاب عند تمويل المؤسسات القمعية بالعدّة والعتاد،وهو كذلك يمارس الإرهاب عند دعمه لمجموعات عقائدية ترنو لتأسيس ذات النظام الاقتصادي/الاجتماعي مع إضافة بعض الرّتوش الأكثر إقصائية وعدمية،وهو داعم للإرهاب عند الإسناد المالي واللّوجيستي لكلّ شخص مدبّر وإن تغيّرت نعوته عبر الأزمان،فهؤلاء ينعتوه بالإمبراطور أو بالقدّيس وأولئك يسمّونه بالخليفة أو المرشد والبعض الآخر ينعته بالملك أو الزّعيم أو الرّئيس .
ما يعاب على أغلب من تعرّض لهذا موضوع،عدى المعنيين بممارسة العنف والإرهاب،يكمن في إعادة بعض المعزوفات من قبيل:"الدولة هي المخوّلة الوحيدة بممارسة العنف!"؛لكن لمّا يقارع هؤلاء بالمعطى التاريخي القائل بـ"أنّ الدولة جهاز قمعي في خدمة صاحب رأس المال"وأنّه لن يستعمل"القوّة الشرعية"إلاّ ضدّ الأغلبية المقصية سرعان ما يتنكّر هؤلاء لدور الدولة ويقع تأليهها بإضفاء صفة"الدولة محايدة وفي خدمة الجميع !".إذا كانت الدولة شرعية ومحايدة وفي خدمة الجميع فما عسى أن يكون الموقف الصواب إذا مارست الدولة الإقصاء والتهميش ضدّ الأغلبية لصالح فئة صغيرة من أصحاب رأس المال؟ إذا كانت شرعية الدولة كامنة في السهر على التشريعات والقوانين العادلة،فما هو موقف المدافعين عنها إذا استشرى الفساد المالي والإداري بكلّ أنواعه وعند خرق القوانين(لا يعاند أحد في كون أغلبهم من أصحاب رأس المال)؟إذا مارست الدولة الإرهاب،على اختلاف درجاته،على أغلبية معطّلة ومهمّشة فما عسى الردّ على هكذا ممارسة؟

في الختام،لا يمكن لهذه المحاولة الاستقرائية إلاّ أن تحيل على نافذة يمكن من خلالها المساهمة بتقديم العناصر الأساسية لمقاربة لدحر الإرهاب بكلّ أشكاله ومنع انتشاره.فالمقاربة لا يمكن أن يكتب لها النّجاح إن لم تأخذ بعين الاعتبار الدور الأساسي لرأس المال وكيفية توظيفه إيجابيا من ناحية،وإذا لا تصبغ بصيغة تشاركية فعلية من ناحية ثانية.أمّا عن المحاور الأساسية لخيمة مقاومة الإرهاب بأنواعه فهي أربعة:
 (1)قطع جذور الإرهاب الكامنة في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية الإقصائية،أي حثّ البحث عن بديل للتنمية والحكم يقطع مع الاستعباد المالي المتوحّش،ويؤسّس للمواطنة حيث واجب التضامن والقرار الجماعي والمحاسبة لاجتثاث جذور الفساد والإفساد وخاصة جذور الأنماط التي تسعى لتسليع الإنسان؛
(2)تقليم الفروع الإرهابية حتّى تتناقص جاذبيتها وذلك بتجريم كلّ رأس مال حاضن وداعم،مهما كان مأتاه(للتذكير:رأس المال لا يعترف بالحدود ولا بالمؤسسات بل هو باحث عن كلّ نشاط يضمن الأرباح المضافة) ؛
(3)مقاومة المنابع المغذّية ذات السيولة العقائدية الإقصائية وهو شأن عام يهمّ كلّ الاختصاصات العلمية،من الأنثروبولوجيا إلى علم الاجتماع مرورا بالأساليب التربوية والعلوم الفقهية؛
(4)بحث جدّي عن كيفية تأهيل بعض"غلال الإرهاب"غير الناضجة لغاية إدماجها في بوتقة المواطنة البنّاءة.

 ألم ينعت أغلب المفكرين هذا العصر بـ"التوحّش" وهل هناك ذات معنوية أوعضوية أكثر إرهاب من الوحش!وهل لازال هناك شكّ في صفة الإرهاب لكلّ من يؤمن بما ورد في كتاب"إدارة التوحّش"!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire