mardi 25 juin 2019

مشروع الأليكا...مشروع مهلكة ! د.عبد المجيد بنقياس- أفريل 2019




أثار مشروع اتفاقية التبادل الحرّ الشّامل والمعمّق(الأليكاALECA-)المقترح من طرف الاتحاد الأوروبي على الدولة التونسية ضجّة في الوسط السياسي والمهني.وسبب الإثارة هذه يكمن في إطار الاتفاقية والدوافع والمجالات الآليات من ناحية أولى،وفي ماهية المنتفعين والمتضررين من ناحية ثانية.
من الأسباب الكامنة وراء الضجّة هو تعدّد المجالات المستهدفة بمشروع الأليكا،وهو ما أضفى عليه صفة"الشامل".لئن أسهب البعض في ذكر القطاع الفلاحي والتداعيات الممكنة(سلبية وإيجابية)فقد أغفل العديد،وعن قصد،ذكر القطاعات الاخرى المستهدفة توجّسا من اتساع رقعة المناهضة،ممّا أوحى للعديد بأنّ الامر يهمّ المجال الفلاحي دون سواه.فالمشروع يشمل عدّة مجالات أخرى،منها الخدمات بأصنافها(تعليم،بحث علمي،هندسة،الصحّة،الإعلامية،الشحن البري والبحري والجوي)،والصفقات العمومية،والثقافة.وللأليكا شروط مؤسساتية وتشريعية ومالية وسياسية واجتماعية وبيئية وأمنية أضفى عليها صفة"المعمّق".وتزداد المخاطر عند التدقيق في مشروع"إصلاح مؤسسات والمنشآت العمومية"وما ورد بمجلّة المجالس المحلية.لهذا،وجب تعرية إطار الأليكا للكشف عن الجذور المغذية للمشروع،وهي ذات الجذور المغذية لمشروع"الإصلاحات الكبرى"،مشروع إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية،الذي وردت به عدة ترتيبات وإجراءات تحضيرية و/أو مكمّلة للأليكا.
لهذا فمن الضروري التذكير بما أكّد عليه جلّ الخبراء من أنّ أزمات رأس المال،التي بلغ عددها 124 خلال الفترة 1970-2007 حسب ج.إ.ستيغليتز في كتابه"السّقوط الحرّ"،وهي أزمة تراكم بالأساس.ويعود أصل هذه الأزمات إلى التناقضات القائمة صلب نمط الانتاج الرأسمالي،هذا الذي يقوده مبدأ "الإنتاج الكبير للاستهلاك الكثير" قصد مراكمة الأرباح.فالدابة السوداء لرأس المال هي كساد السوق.وللكساد هذا عدّة أسباب،منها بالخصوص ضيق مجال التسويق بحكم المنافسة،التي يمجّدها أدعياء هذا النمط الانتاجي،وانحدار القدرة الشرائية للعائلات والمؤسسات(قطاع إنتاج المواد الاستهلاكية وقطاع إنتاج وسائل الانتاج).ويقدّر منظّرو هذا النمط من الانتاج أنّ الوصفة الوقائية والعلاجية تكمن في (i)الاستحواذ على وسائل الانتاج(موارد طبيعية وقوى الانتاج)بأبخس الأثمان؛(ii)احتكار الجزء المادي من قوى الانتاج(أدوات الانتاج وتقنيات)للرفع في الانتاجية،وبالتالي الرفع في كمّية السلع المنتجة،و(iii)استغلال الجزء غير المادي منه(مؤهلات/قوّة العمل،تنظيم/توزيع العمل)بالضغط على الأجور ومنه كلفة الانتاج.وقد توخى هذا النمط الانتاجي،تاريخيا،وسيلتان للاستحواذ والاحتكار:الحروب(مباشرة أو بالوكالة)و/أو الاتفاقيات والبروتوكولات.ويقوم نمط الانتاج هذا على مبدأ قدسية اقتصاد السوق،القائم على المنافسة،والذي يسعى إلى تسليع كلّ حيّ وكلّ شئ،مبدأ يعتبره رهبان هذا التصوّر أنّه"صالح لكلّ زمان ومكان".كما يدفع المعتقدين في جدوى المنافسة في اتجاه تقليم دور الدولة الاقتصادي؛إذ يعتبر هؤلاء أنّ تدخل الدولة يؤدي إلى غياب المنافسة وبالتالي إلى انحطاط الجودة ومنها إلى انعدام الجدوى الاقتصادية.
إذن فالمحرّك الرئيسي لصائغي مشروع الأليكا يكمن في الأزمة القائمة التي يعيشها رأس المال،والمتنفّس يكمن في"الانفتاح المالي الذي يجبر الدول على التنافس السلبي"،أي التنافس في تخفيض الانفاق الحكومي(تقشّف)وتغييب العدالة الاجتماعية(تملّص)وتخفيض الضرائب(امتيازات)الذي يؤدي إلى انخفاض منسوبها وبالتالي إلى نضوب مصدر من مصادر تمويل الدولة مما يدفع بها الى البحث عن التّمويل الخارجي(تداين واستثمار خارجي مباشر)،وبالتالي إلى"خضوع الدولة لإرادة المستثمرين..ومحاباة الفئة المالكة للثروات المالية..والتنافس للحصول على أسخى المساعدات(أراضي،بنية تحتية،شبكة الكهرباء والماء)."(المصدر:فخّ العولمة_الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية- هانس بيترمارتن و هارالد شومان).
انطلاقا من هذا المعتقد جدّ الاتحاد الأوروبي في التبشير بمدى فاعلية السوق لخلق الثروة والنمو وبالدعاية لصياغة قواعد جديدة للتعامل متحرّرة من"أغلال"السيادة والتشريعات المحلية،تتماشى مع الأسس المنظمة للعلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية التي وضعتها منظمة العالمية للتجارة،تنسف كلّ"عقبة"معيقة للتجارة،مهما كانت صفتها،من رسوم جمركية وإجراءات إدارية ومعايير الاعتماد والمصادقة ولوائح اجتماعية وبيئية وصحية،وحذف الحوافز المرصودة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وللجهات المهمّشة والقطاعات الاستراتيجية...الخ.للجدل القائم إذن رُكن إيديولوجي،حتّى وإن أصرّ الليبراليون على إنكاره لفظيا،يحمل في صلبه ذرّات من التناقض الذي يحكم سيرورة نمط الانتاج الرأسمالي،من ذلك الحرص على تضييق مجال الحريات،حرية التبادل السلعي بابتداع الحواجز الصحية والنوعية والرفع من سقفها،اقتصاديا،والاستناد إلى الحريات السياسية الشكلية،كما يؤكد ذلك العنوان المكثّف للكتاب المذكور أعلاه"فخّ العولمة_الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية".
وتعتبر اتفاقية مراكش 1994 الإطار المرجعي للاتفاقيات التي تعقد بين الدول الممضية عليها.تعتمد هذه الاتفاقية على ثلاثة مبادئ أساسية:(i)تسهيل الولوج إلى السوق المحلية؛(ii)تنقيص تدريجي للدعم الموجه للزراعة؛(iii)تخفيض الدعم الموجّه لتصدير المنتجات الفلاحية.وأردفت هذه الاتفاقية بأخرى تخصّ الحواجز غير التعريفية لتسويق المنتجات الفلاحية،شملت حزمة من الترتيبات تهمّ الصحة والسلامة النباتية وحقوق الملكية الفكرية وشروط تقنية.في هذا الإطار تمّت اتفاقية الشراكة المبرمة مع الاتحاد الأوروبي(1995)التي نصّت على الحذف التدريجي للحواجز الجمركية على المنتوجات الصناعية وإحداث منطقة التبادل الحرّ وبعض"الامتيازات"لتسويق المنتوجات الفلاحية(الحصص).وقد نصّت على إعطاء الدولة التونسية مدّة إمهال 12 سنة قصد تأهيل القطاع الفلاحي والخدماتي،حتى تسمح بتكافئ قوى الانتاج وبملائمة التشريعات في كل من طرفي الاتفاقية.إذن فالأليكا هي مكمّلة لـ"اتفاقية الشراكة".
لكن الحراك الاجتماعي والسياسي الذي شهدته تونس منذ أواخر سنة 2010 دفع بالاتحاد الاوروبي والحكومات التونسية المتعاقبة إلى تأجيل المفاوضات الخاصة بالأليكا في مرحلة أولى،ثمّ التكتّم عنها في بداية المفاوضات خلال حكومة الترويكا(سنة 2012)في مرحلة ثانية،أدت إلى تصنيف تونس بالشريك المميّز(نوفمبر 2012)،وهو المدخل الذي وقع اعتماده لدفع المشاورات الخاصة بالأليكا،دون اعتبار للفارق الحاصل بين تونس،ذات المستوى التكنولوجي الضعيف والقدرات المتواضعة نسبة للاتحاد الاوروبي.لساءل أن يتساءل،هل يجوز الحديث،حتى وفق المنطق الليبرالي،عن تبادل"حرّ"ومزاحمة متكافئة بين تونس ذي الـ 5 مليون هك من المساحة الزراعية والإتحاد الأوروبي الذي تبلغ مساحته الزراعية أكثر من 35 مرّة مساحة مثيلتها بتونس والمتواجد في مدار جيو-مناخي مناسب والحائز على أحدث التقنيات والبنى التحتية.
وباعتبار أنّ الأليكا مكمّلة لاتفاقية الشراكة فمن المنطقي أن يقع تقييم تأثيرات هذه الأخيرة.لكن التداعيات السلبية المكشوفة والمقدّرة جعلت الدوائر المسؤولة تمتنع عن التقييم وتجتهد بالتسريع لإمضاء المشاريع المعروضة(أليكا والاصلاحات الكبرى).لكن ضغط جزء من المجتمع المدني،من خلال بعض المبادرات(إعلان المجتمع المدني)والندوات(الجبهة الشعبية،جمعيات)ومقالات المختصين،أجبرت الحكومة والخبراء الليبراليين على رفع التّكتّم والإفصاح بقبولهم المبدئي لمشروع الأليكا مصحوبة ببعض التحفّظات لتمرير المشروع.لكن اللاّفت للنظر،ولا غرابة في ذلك،هو امتناع الأحزاب الحاكمة(النهضة والنداء)على الإفصاح بمواقفها من هذا المشروع ذو الأبعاد الاستراتيجية والتداعيات الخطيرة على أكثر من صعيد.
بالطبع،لمراكمة الأرباح لا بدّ من الاستثمار في مجالات توفّر الحدّ الأقصى من الضمانات والشروط،أولها توفير المناخ المناسب للمنافسة الحرّة وما يعنيه ذلك من الحقّ في النفاذ إلى المعلومة بالكشف عن التراتيب والصفقات،والتساوي أمام القانون والإجراءات دون تمييز في الحوافز،إلى جانب توفر الضمانات الأمنية وضمان حقّ الملكية الفكرية لحماية الشركات المستثمرة في الإبداع التكنولوجي والعلمي والفكري والفني،وحقّ التقاضي أمام الجهات التي يرى فيها المستثمر أكثر انحياز له.ومن المنطقي،وفق وجهة النظر هذه أن يقع تقزيم حجم تدخّل الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.ومن البديهي،انطلاقا من المبدأ القائل"لا فائدة من إنتاج مادة لا تباع"،أن يميح المستثمر إلى الأنشطة الأكثر ربحية،وحيث تتوفر الموارد بأصنافها،الطبيعية والبشرية والتقنية.وباعتبار أنّ"تونس متخصصة بدرجة عالية في تجارة الخدمات في منطقة الاتحاد الأوروبي"وباعتبار حاجة الاتحاد الأوروبي لأسواق خارجية لترويج المواد الغذائية المصنّعة والحاجة إلى فضاء جغرافي لإنتاج الطاقة"البديلة"يؤكد مشروع الأليكا على الأنشطة الخدماتية والفلاحة.والاختصاصات المعنية في القطاع الخدماتي،كما عدّدها دليل منظمة التجارة العالمية،هي:خدمات قانونية(محاسبة واستشارة جبائية)؛هندسة معمارية؛صحية(طبّ،طب الأسنان،الطب البيطري)؛خدمات شبه طبية(ممرضات،أخصائيي العلاج الطبيعي)؛إعلامية والخدمات ذات الصلة؛البحث والتنمية؛خدمات في النشاط العقاري والإيجار؛الدعاية والإعلان.
والتناقض الذي لا يخلو منه نمط الانتاج القائم يكمن في حرية الاستثمار والتسويق وتكديس الربح مقابل تضييق هذا المجال على المنافسين،سواء كانت شخصية أو معنوية.لهذا ارتأت الدول الصناعية إلى الضغط عبر معيار الصحّة والسلامة النباتية من خلال التأكيد على ضرورة تغيير المعايير غير الجمركية الخاصة بالمواد الصناعية،بما فيها المواد الغذائية المصنعة والمنتجات السمكية،والمواد الفلاحية الأخرى لتتلاءم مع نظيرتها بالاتحاد الأوروبي.
وممّا يوحي ببداية تنفيذ الاليكا،في غفلة من ضحاياها المفترضين،هناك نصوص تشريعية وإجراءات تنفيذية وترتيبية تمّ اتخاذها للغرض.من هذه يمكن ذكر ما يلي:
 (i) القانون عدد 49 لسنة 2015 المؤرخ 27 نوفمبر 2015 الخاص بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص الذي يجيز ضمنيا وفق ما ورد في الفصل 24"رهن البناءات والمنشآت والتجهيزات الثابتة موضوع عقد الشراكة لضمان القروض التي يبرمها الشريك الخاص...".للقارئ أن يدرك حجم التداعيات الاقتصادية والقانونية والسياسية لهذا الإجراء لمّا يعلم بما ورد في مشروع الأليكا في محور"الاستثمار"الداعي إلى حماية المستثمر الأجنبي،وما ورد في الكتاب الأبيض الخاص بإعادة هيكلة المؤسسات والمنشآت العمومية"في المحور الخاص بـ"الصفقات العمومية"(حقّ المشاركة في المناقصات)ومحور"الحوكمة والشفافية"(حقّ النفاذ إلى المعلومات).وقد يدرك القارئ كذلك حجم المخاطر المحيطة بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة(أغلبية)الناشطة في المجالات التي يشملها القانون،هذه التي لا تملك الموارد المالية ولا المؤهلات التكنولوجية ولا الفنية التي تحوزها الشركات الأوروبية العملاقة.  
ii)) القانون عدد 71 لسنة 2016 الخاص بالاستثمار الذي"يخول...لكل شخص طبيعي أو معنوي سواء كان تونسيا أو أجنبيا،مقيما أو غير مقيم أو في نطاق الشراكة،من الاستثمار بحرية في قطاع الفلاحة والصيد البحري.ويضبط القانون شروط لحماية المستثمر (الفصل 7  من العنوان الثالث من المجلة_ضمانات المستثمر وواجباته).
(iii) الأمر الرئاسي عدد 67 بتاريخ 2 ماي 2017 الذي يجيز اعتماد البراءات الأوروبية دون موافقة مسبقة من الجهات التونسية المختصة لتصبح هذه البراءات قابلة للاستغلال على قدم المساواة مع البراءات التونسية تجسيدا لمبدأ“المعاملة الوطنية”للمؤسسات الأوروبية وتأمين حقوق الملكية الفكرية.
(iv) مشروع إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية_مارس 2018.هو مشروع يستهدف النسيج المؤسساتي للدولة للتقليص من وظائفها وتمكين رأس المال الخاص مما تبقى من منشآت عمومية وتمكينه من التموقع صلب خلايا القرار السيادي.فقد ورد حرفيا في محور"منظومة الحوكمة الشاملة للمؤسسات العمومية"ما يلي:"إعادة النظر بصفة كلية لدور الدولة،خاصة دور الدولة المساهمة ومراجعة دور الوزارات الفنية وعلاقتها مع المؤسسات العمومية في القطاعات التابعة لها..".كما يهدف المشروع إلى إعادة النظر في منظومة الحوكمة الداخلية للمؤسسات العمومية بهدف استقلالية القرار التنفيذي،وهو ما سيؤدي حتما إلى تجسيد المقاربات المنظوماتية والقطاعية ممّا سيصبغها بطابع اللاّتجانس واللاّتكامل مع التغافل عن التداعيات السلبية،الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.كما نصّ المشروع على"فتح الاكتتاب في رأس مال الشركات العمومية لتحفيز الموظفين والآخرين من أصحاب المصلحة"وهو ما قد يتيح لأصحاب رأس المال بتوجيه الاستثمار نحو المجالات والانشطة التي يريدون والتحكم في منسوب الاستثمار وفق حاجيات السوق.أمّا في المحور الثالث فهناك دعوة إلى"تحفيز الحوار الاجتماعي،والمسؤولية المجتمعية والتصرف في الموارد البشرية"من خلال إنشاء هيئة حوار اجتماعي على المستوى الوطني لـ"إضفاء الطابع المؤسساتي على الحوار الاجتماعي داخل كل شركة ومؤسسة(توضيح دور ومسؤوليات النقابات في إدارة المؤسسة)".ويأتي تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي،الذي تمّ إعلانه في ديسمبر 2018.في هذا الإطار،يمكن استهداف العمل النقابي.
(v) مجلة الجماعات المحلية_جوان 2018 التي متّعت المجالس المحلية والجهوية والإقليمية للتنمية بعدة صلوحيات عمادها مبدأ الشراكة بين القطاع العام والخاص وأحقية عقد الصفقات مع الذوات الشخصية والمعنوية سواء محلية أو خارجية.
بعد الكشف عن طبيعة الوقود الإيديولوجي والسياسي لمشروع الأليكا،وبعد بسط المحركات والإطار العام والخصوصي لهذا،وبعد تعداد أهمّ القوانين والأوامر التحضيرية لتسهيل تنفيذ الأليكا يمكن التأكيد على جدية المساعي لتحجيم دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي(خوصصة المؤسسات والمنشآت)وحصر وظيفة الدولة في تأمين ظروف الاستثمار وتحرير المؤسسات النقدية والمالية(استقلالية البنك المركزي)لفتح المجال لفاعلين آخرين(الشركات الاحتكارية متعدّدة الجنسيات والعابرة لسيادة الدول)، وأمام التعبئة الإعلامية بقيادة الخبراء المخبرين المخرّبين لسائل أن يتساءل:ما العمل؟
كما تبيّن فالمجالات المعنية بمشروع الآليكا عديدة ومتشابكة،تشمل مجالات الانتاج المادي(الفلاحة والصناعات الغذائية)والإنتاج غير المادي(تعليم،طبّ،هندسة،إعلامية)والمجالات الضرورية والمساهمة في عملية الانتاج(خدمات متنوعة).ويصنّف المشروع المجالات إلى إثنى عشرة مجالا.لذا فالأمر لا يهمّ الاقتصاديين والسياسيين فحسب،بل يهمّ المستهدفين مباشرة بالأليكا،من صغار ومتوسطي الصناعيين والفلاحين والتجار،ورجال التعليم والأطباء والمهندسين وخبراء المحاسبة وفنانين،ويهمّ كذلك الوطنيين من علماء الاجتماع وفلاسفة وإعلاميين وعلماء البيئة والطبيعة..الخ.لهذا فقد حان الوقت لعديد المختصين والمهنيين وكلّ من يعارض الاتفاقية من مكونات المجتمع الوطنية،من أحزاب(الجبهة الشعبية)ومنظمات(اتحاد الشغل،اتحاد الفلاحين)وهيئات مهنية(المحامين والمهندسين والبياطرة والأطباء)بأن تتلاقى حول أجندة للتحرك المشترك للحيلولة دون إمضاء مشروع الأليكا(المشروع المهلكة)ودون التنفيذ الفعلي لمشروع"إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية"وهو ما يستدعي بالضرورة التطارح من أجل صياغة بديل سياسي-تنموي.

vendredi 15 décembre 2017

التّمييز الإيجابي للجهات...منوال للتنمية المستدامة - د.عبد المجيد بنقياس - جويلية 2017


ملاحظة: صدر بمجلة "الفكرية"-العدد 34/جويلية_أوت 2017
المقدمة
يعدّ موضوع التنمية من المواضيع الاكثر جدلا وتشعبا،تناوله الخبراء في علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة والبيئة،وهو ما يقيم الدليل على اختلاف الزوايا والأبعاد التي يمكن النفاذ منها إليه.في تونس،طرح إشكال التنمية منذ ستينات القرن الماضي،وأعيد طرحه مع كلّ أزمة اقتصادية-اجتماعية،وها هو يدفع بالمشرفين على مجلّة"الفكرية"لاستفراده بعدد خاص تحت عنوان:"التنمية الجهوية:منوال التنمية ومبدأ التّمييز الإيجابي"،ويأتي هذا النصّ تجاوبا مع الدعوة المفتوحة للإثراء والتبادل.
لئن اتفق أغلب المنظرين والخبراء على ضرورة التنمية الشاملة،فإنّ مساحة الاختلاف بقيت شاسعة حول الأهداف والمقاربة وماهية الوسائل والآليات.لكن ما هو ثابت أنّ السبب الرئيسي الذي أدّى إلى تهميش الجهات الداخلية ونهب ثرواتها،يكمن في المقاربة القطاعية المُسقطة،حتى وإن تغيّرت الأولويات من مخطّط إلى آخر.
لكن الإقرار بالفشل لا يكفي للملمة جراح عقود من النهب والتّهميش بل يجب صياغة بديل تنموي يعتمد مبدأ العدل ويهدف إلى تثمين الموارد المتوفرة(مادية وغير مادية)وتلك التي يمكن توفيرها خلال المسار التنموي.كلّ طيف المجتمع المدني صرّح بضرورة تغيير المنوال التنموي،وأغلبه ساير الدعوة المنادية بضرورة اتخاذ خطّة لتنمية الجهات المهمّشة وفق مبدأ التمييز الإيجابي.بات من المفروض أن تقدّم القوى التقدمية،المناهضة لليبرالية المتوحشة،تصوراتها للمفاهيم والمقاربات والآليات لتحقيق التوازن الجهوي المنشود،كجزء من منوال تنموي شامل،في إطار جمهورية ديمقراطية اجتماعية.
من البديهي،أن تتحاشى القوى المحافظة،وكلاء دوائر التمويل العالمي ودعاة الاقتصاد الليبرالي،التطارح حول البديل،لأنّها لا تروم تعديل آليات العدالة بين الجهات والفئات.ومن الطبيعي،أن تعارض هذه القوى المقاربة التي تعمد للتنمية الذاتية للجهات،وقد تجلّى ذلك في تردّدها للتشريع الضروري لتحقيق هذا الرّهان.وأوّل القوى المعارضة هي تلك التي لا تتصوّر الدولة دون تسلط مركزي،وكلّ تلك الذوات المتمعّشة من المنوال الحالي،وفئة الخواص المنتفعة بالصفقات العمومية ومن قد تشملهم عقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.كما يعارضها أيضا كلّ من يعتبر المواطنين مجرّد رعاع قُصّر،ومن يرومون السلطة"من دون الشعب وعلى حسابه !".والدّليل،حزمة من الإجراءات التشريعية التي لا تبشّر بنيّة التمييز الإيجابي للتعديل والتّثوير،من ذلك"قانون المصالحة المالية"و"مجلة الاستثمار"و"مشروع التبادل الحر الشامل والمعمّق"،إلى جانب ضعف نسبة التمويل العمومي الموجّه للتنمية الجهوية.لكن ما فات هؤلاء أنّ عدّة دوافع وشروط موضوعية وذاتية باتت تصبّ في اتجاه تبنّي المقاربة التنموية التي تعتمد الجهات كمحور أساسي للتنمية الشاملة والمستدامة،بعضها مرتبط بالعنصر البشري والبعض الآخر في علاقة بملكية عناصر ووسائل الإنتاج بالجهات وكيفية تثمينها والتصرّف فيها.
 المفاهيم
خلال السنوات الماضية تعمد البعض حجب المفاهيم ذات العلاقة وذلك نتيجة قصور فكري و/أو للتستّر على حقيقة مشاريعهم المعادية لكلّ بديل،وحتى لا تتضح حدود التمايز بين الليبراليين بمختلف أطيافهم(المدني والديني)وأصحاب الفكر الشمولي من ناحية،وبين مناهضو الخيارات الليبرالية على اختلاف ألوانهم من ناحية أخرى.فإن كان مفهوم التنمية والمنوال شبه متّفق عليهما نظريا فإنّ مفهوم الجهة مختلف حوله،ويعود أصل الاختلاف للتصور الحاصل لـ :(i)موقع الاقتصاد القطري،والشراكة والتبادل في إطار الكوكبة؛ (ii)وظائف الدولة القطرية؛(iii)دور المواطن والمؤسسات النيابية التقليدية والمحدثة،المختصة أو التي تعنى بكلّ الشأن العام.لهذا ارتأينا إيلاء هذه المفاهيم القدر الذي يستحقّ.
1.1.  التنمية المستدامة والمنوال
التنمية فعل بشري موضوعها الموارد الطبيعة والبشرية وهي ذات منحى لولبي صاعد.بهكذا منحى،فالتنمية بالضرورة مستدامة ومن أهمّ آلياتها الملائمة بين الموارد البشرية،كقوّة عمل فكري وجسدي،والموارد الطبيعية خاصة الفانية منها،من خلال أشكال التصرّف وآليات الإنتاج والتوزيع(الحوكمة وشروطها).بهذا المعنى،فالتنمية هي جملة أنشطة ديناميكية ومركّبة،وهي سيرورة مراكمة إيجابية لأنشطة صلب مجال متعدّد الإحداثيات،يحتوي على موارد وبه فاعلون يعملون وفق محاور استراتيجية وأولويات شخصية و/أو عمومية.وللسيرورة هذه أفقان،الأولّ يهمّ خلق الثروة ويؤشر إليه عادة بنسبة الدخل المحلي الخام والثاني يخصّ كيفية وآليات توزيعها،وهو ما تتجاهله في أغلب الأحيان جلّ الإدارات والحكومات ووسائل الإعلام التّابعة.فالتنمية"تتناول كل الانشطة والقطاعات الاقتصادية والانتاجية والاجتماعية...ومن ثم فان التنمية المجتمعية تتّسم بالشمول والتكامل والتنسيق بين النواحي الاقتصادية والاجتماعية(1).
كما شهد العالم تغيّر في نوعية مواضيع التنمية وفي طبيعة الفاعلين الأساسيين في السيرورة التنموي،وهذا في علاقة بأشكال ملكية وسائل الانتاج وآلية التقسيم الاجتماعي للعمل ومسار التخصّص الذي فرضه التطور التكنولوجي.فالدولة هي الفاعل الأساسي هنا والمؤسسات الخاصة هناك،والمواد الفلاحية هي موضوع التنمية هنا والمواد المنجمية هناك،لهذا نُعتت التنمية بنعوت،منها ما هو في علاقة بالمجال الجغرافي(محلية،جهوية)أو بصفة المستهدف(فتاة ريفية،عائلة منتجة)أو بالقطاع(فلاحية،صناعية،ثقافية)أو بمنظومة معنية(ألبان،حبوب،إنتاج بيولوجي)أو بمدى تداخل الأنشطة(شاملة؛مندمجة)...الخ.
وباعتبار أنّ التنمية سيرورة من الإنتاج والتبادل فهي خاضعة بالضرورة لمنوال متجانس مع نمط الانتاج السّائد،وقد كثر الجدل حول ماهية المنوال التنموي.لا مجال للخوض العميق في مفهوم المنوال،بل يكفي الاستدلال بمفهوم المختصّين في الرياضيات،ثمّ القيام بعملية إسقاط بسيطة.يعرّف هؤلاء مفهوم المنوال بكونه القيمة الأكثر تكرارَا من غيرها صلب نسق ما،وقد يوجد أكثر من منوال وقد لا يوجد منوال أصلا.بعملية إسقاط بسيطة،يمكن القول أنّ المنوال التنموي،حتّى وإن اختلفت الأولويات وتنوعت الأنشطة،هو سلسلة مخطّطّات تنموية تكررت في إطارها نفس الأهداف باعتماد الطريقة والآليات ذاتها وبالارتكاز على نفس الفاعلين والموارد.ولا يختلف إثنان في أنّ ما يميّز مجال جغرافي عن آخر يكمن في الرابط بين العنصرين الأخيرين والمجال الجغرافي،إلى جانب درجة التطور التكنولوجي ومدى الحوكمة في مسارات الانتاج ومسارح الترويج.من هنا برز الدور المحوري للجهة في التنمية المجتمعية،ولهذا بات مفهوم"الجهة"مسألة ضرورية لأنّه قد يقلّص من سُمك الحجاب الذي يلفّ بالمنوال البديل.
1.2.  الجهة
"لكلّ عصر فاعل محوري ميّزه عن باقي العصور،وكلّ فاعل محوري اعتمد على طاقة ما وابتدع تقنيات للإنتاج وآليات للترويج والتبادل"(2).فيما مضى من غابر الأيام،كانت القبيلة هي الفاعل المحوري(نمط إنتاج مشاعي)،ومن بعدها استحوذت العائلة على هذا الدور(نمط إنتاج عائلي)،ثمّ حلّت محلّهما المستغلات الفلاحية الكبرى(نمط إقطاعي).مع حلول منتصف القرن 18،أخذت المشعل وحدات التصنيع العمودية(اقتصاد رأسمالي)،معتمدة الابتكار التكنولوجي الذي سهّل عمليتي الإنتاج الوافر والترويج الواسع.ثمّ جاء دور الشركات الاحتكارية ذات الهيكل الشبكي العابر للقارات(مرحلة توحش رأس المال)،معتمدة ما جادت به الابتكارات التي سرّعت مسارات الإنتاج ووسّعت مجال التّرويج.لكن،مع تسارع وتيرة أزمات اقتصاد السوق،وأمام تقلّص وظائف الحكومات جرّاء ترتيبات برامج"الإصلاح"الهيكلي التي جعلت منها أجهزة تنفيذ لسياسة الشركات العابرة لحدود الدول،لسائل أن يسأل عن ماهية الفاعل المحوري البديل الذي قد يمكن من تعديل علاقات الإنتاج،ومسارات الإنتاج والتسويق التي تحكم العلاقات صلب كلّ قطر وفيما بين الأقطار.هل يمكن للجهات أن تلعب هذا الدور؟ وهل يمكن بالتالي اعتمادها كأحد صواري المنوال البديل؟
إنّ الجهة بدولة ما هي جزء تحوز على خصائص جغرافية/تاريخية تميزها،تحوي موارد طبيعية باطنية وسطحية وفضائية،ويقطنها أناس تجمعهم روابط،وينشط صلبها عديد المؤسسات.فهي-كما الدولة-ذات معنوية لها وظائف اقتصادية واجتماعية وأمنية مضبوطة في إطار وحدة الدولة،وهي من مراجع الانتماء الاجتماعي.وتونس من الدول التي تزخر بمثل هذا النسيج الجهوي،الذي حبكته الطبيعة والحضارات المتتالية،والتي حان وقت تحديدها وتمييزها بمشاريع تنموية تحكمها علاقة انفتاح وتناضج عوض الانغلاق والتنافس.لهذا ينادي عديد الخبراء من مختلف الاختصاصات بضرورة إعادة التقسيم الفضائي للقطر على أسس علمية تشاركية،تؤسس لتنمية جهوية مندمجة ومستدامة.
ما حدى بنا إلى هذا التعريف هو اللّبس الذي رافق عديد المقالات التحليلية والتصورات التشريعية،التي تعتبر الجهة وفق إحداثية أحادية(منطقة حضرية)وممّا دفع بالبعض إلى تعريفها بـ"جماعة محلية يغطي ترابها نفس دائرة الولاية"(3)،وقد خصّها بوظائف لا ترتقي لمقام مطالب أهالي الجهات.كما اعتمد الدستور مفهوم اللامركزية(الفصل 14)في تسيير الشأن العام المحلي والجهوي والإقليمي،وكبّل مجالس التنمية بأن جعل منها مجالس للاستشارة فحسب،وهو ما يتنافى مع روح المسار الثوري الذي طالب بالعدالة الجهوية وبتمثيلية فعلية للجهات ذات بُعد جغرافي(آليات لتمثيل الأرياف بالمجالس الجهوية).من البديهي،أنّ الجهة التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية،والتي تفتقد إلى نواة صناعية تقليدية أو صناعية،والتي يقطنها مواطنون مفقّرون لا يمكن لها أن توفر أسباب الإدامة والنماء والمراكمة ولن يكتب لها امكانية التّناضج والاندماج.ومن البديهي كذلك أنّ جهة بهذه الصفات قد تتنكّر لأصلها،فتسعى إلى الانغلاق ثمّ الانسلاخ(بعد التّمكّن)والبحث على إطار آخر للانتماء.وقد جدّت،منذ 2011،عدّة أحداث محلية وجهوية تؤكّد على جدّية المخاطر التي قد يتسبّب فيها الخيار الإقصائي،خاصة إذا تسمّم بطابع"العروشية"و"الجهويات".لهذا،فمن الواجب،أن يقع تمييز هكذا جهات بمشروع تنموي يجعل منها خلايا موجبة وفاعلة في المسار التنموي الشامل.
1.3.  التمييز الايجابي
لسائل أن يسأل عن ماهية الدوافع التي جعلت أهالي الجهات الداخلية تطالب بالتمييز الإيجابي وتلك التي دفعت السلطة التشريعية بقبول هذه الآلية.يكفي الرجوع للمؤشر التأليفي للتنمية الجهوية لمعرفة مدى الحيف الذي لحق الجهات بوسط وغرب البلاد،حيف ونهب يرتقي إلى مرتبة"الفساد الأكبر".ثمّ إنّ الإقرار بضرورة التمييز الإيجابي يعني ضمنيا أنّ هناك تمييز سلبي قد اعتمد فيما سبق!فما هي خصائص المنوال الذي اعتمد التمييز السّلبي؟
إنّ المجال لا يسمح بالتوسّع في التصنيف لكن هذا لا يمنع من التّذكير ببعض الخصائص الأساسية لهذا المنوال السلبي الفاشل.يمكن الاختصار بالقول أنّ كلّ عناوين اليافطات التي رفعت،عند بداية كلّ مخطط خماسي،واحدة وإن اختلفت الألوان المستعملة،وهي على النحو التالي: (i)ضمان السيادة والعيش الكريم؛ (ii)ضمان الحريات واستقلالية المؤسسات؛ (iv)توفير الأمن والعدل؛ (v)ترفيع حجم الاستثمار باعتماد الموارد الذاتية (جبائية،غير جبائية)،والاستثمار الخارجي في إطار الشراكة(ثنائية ومتعددة الأطراف).واعتمد المنوال مقاربة قطاعية:الفلاحة(الستينات)،الصناعة بالمناولة(ملابس-أحذية/السبعينات،الغذائية/الثمانينات) والسياحة(الثمانينات)،مع تغيّر الفاعل الأساسي خلال المشاوير المذكورة.فالدولة كانت المحور الأساسي(الستينات)،ثمّ احتلّ القطاع الخاص الدور تحت فعل عدّة حوافز مالية وجبائية(رأس مال محلي وأجنبي/السبعينات حتى منتصف الثمانينات)،ثمّ ازداد تمكّن الخواص مع ازدياد الحوافز(خصخصة المؤسسات العمومية).في حقيقة الأمر،إنّ التقسيم العالمي للعمل هو الذي أملى هذه المقاربة القطاعية(فلاحة،صناعة،سياحة)،ثمّ المنظوماتية(حبوب،ألبان،انتاج بيولوجي،سياحة إيكولوجية)،وهو ما أدّى إلى تفضيل جهات على حساب أخرى جهات(ذات طابع فلاحي ومنجمي)،وتسبّب في تفقير عدّة فئات اجتماعية(أهالي الريف والفلاحين الصغار).مثلا،هل يعقل أن يقع تهميش الفلاحة التي يعتبرها أغلب العارفين بأبجديات الاقتصاد أنّها المحرك المحوري للتنمية ! وهل يعقل أن يقع استهداف الصناعات التقليدية من خلال تركيز"التصنيع بالوكالة"الذي اعتمد مواد أولية مستحدثة أو مورّدة،والتي يعتبرها أغلب العارفين أنها ضربة قاصمة للأرياف عموما وللفلاحة التقليدية خصوصا حيث كان النشاط التحويلي جزء من وظائف الكوخ الريفي أو بوحدات التحويل والتّصبير الناشطة عندئذ بأرياف كلّ الجهات.استهداف تسبّب في إهدار عدّة مواد أولية(نباتية وحيوانية)وهدر للمعارف المتراكمة.وإذا كان لا بدّ من تمييز إيجابي،كشرط من شروط رفع المظلمة وآلية من آليات العدالة الجهوية،فلا بدّ من التساؤل عن ماهية المبادئ والشروط التي يقتضيها التمييز الإيجابي.
2.      مبادئ وشروط التمييز الإيجابي والتنمية المستدامة
بادئ ذي بدأ يجب الإفصاح أنّ التمييز الإيجابي خطّة بثلاثة أوجه،الأول في علاقة بقيم التكافل والتعاون والتضامن،وثاني في علاقة بالمفاهيم والمقاربة ذات العلاقة،وثالث يعنى بالجوانب التقنية.كما يجب التأكيد على أنّ هذه الخطّة يجب أن تكون محدودة في المكان والزمان وإلاّ تحوّلت إلى عمليّة تواكل ونهب لجهات وفئات أخرى.ويقتضي هذا النهج احترام ثلاثة مبادئ أساسية(i) :أولويّة الرّفاه الجماعي على مراكمة الأرباح؛(ii) ملائمة الموارد مع أولويات الأغلبية؛ (iii)تكافئ الفرص أمام ملكية وسائل الانتاج.كما يقتضي عدّة شروط لعلّ أهمّها إعطاء الأولوية التنمية البشرية،وذلك من خلال فتح الآفاق أمام الكفاءات العلمية/التقنية والمشاركة الفعّالة للمواطنين في إدارة الشأن العام بالمحليات والجهات.إذ لا معنى للديمقراطية دون مشاركة المواطن ولا معنى لها إذا وقع تغييب البعد الاقتصادي-الاجتماعي،بحكم العلاقة الجدلية الرابطة بين الأبعاد الثلاثة.لذا"يجب مساعدة الجماعة على تحديد وتقرير ما ترى أن تقوم به من أوجه النشاط المختلفة متحملة في ذلك المسؤولية في اتخاذ قراراتها وتصميم برامجها بنفسها وذلك في حدود قدراتها وإمكانياتها."(1)كما يجب صياغة منوال يؤمّن مصادر الاستثمار للنهوض بالأنشطة الواعدة لتثمين الموارد بالجهات في إطار برنامج واضح الأهداف والنتائج،وضابط للأنشطة والشركاء(أصحاب الأموال المحليين و/أو شركاء أجانب وفق مبدأ الربح المتناصف).من هذه الزاوية،يمكن اعتبار التمييز الإيجابي بمثابت الحكم بـ"جبر الضرر"ضدّ من صاغوا ونفّذوا المنوال الذي أضر بالجهات الداخلية وحرمها من وسائل التنمية،وهو ما اعترف به"الكتاب الأبيض"الذي أعدّته وزارة التنمية الجهوية(2012).بهذا التصوّر يمكن اعتبار التمييز الإيجابي شكل من أشكال العدالة في توزيع الثروة ومصعد اقتصادي واجتماعي.
لقد سبق الإفصاح على أنّ للسيرورة التنموية أفقان،الأولّ يهمّ خلق الثروة والثاني يخصّ كيفية وآليات توزيعها.والدافع الأساسي إلى تبنّي هذا المسار هو انحصار الأفق الأول وانحراف الأفق الثاني نتيجة منوال صيغ وفق مصالح الفئات المالكة لوسائل الانتاج والمتحكمة في السياسة القطرية خدمة لمؤسسات عالمية(مالية،صناعية وخدماتية).أمّا الدوافع الفرعية فهي عديدة،منها السياسي لغاية التّموقع في منظومة السّلط والهيئات الدستورية من ناحية أولى،ومنها الاقتصادي لغاية المزيد من نهب الثروات الكامنة بالجهات من ناحية ثانية.لقد حجب المنوال السابق/الحالي أولويات الأهالي،بالمدن والأرياف،من المنتمين لهذه الشريحة الاجتماعية أو تلك،وامتاز بروح الانبطاح لإستراتيجية البلدان الصناعية،مما جعل الجهات مصادر للمواد الخام وأسواق لترويج البضائع والخدمات فقط.في حين تتعلّق هموم المواطن بكلّ الجهات،لا بنسبة الدخل المحلي الخام،بقدر ما تتعلّق بالمقادير التي تحصل عليها.
2.1.  الإطار العام...الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية
بالطبع،لا يفوت التذكير بالإطار العام الضروري لحبك وإنجاز المنوال التنموي البديل،إنّه إطار"جمهورية ديمقراطية اجتماعية"كما بتوطئة الدستور:"نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي،في إطار دولة مدنية السيادة فيها للشعب"(5) أي ضرورة تدخّل الدولة من خلال لفيف مؤسساتي يجمع بين المؤسسات العمومية والخاصة،الإنتاجية/الخدماتية منها والنيابية.فـ"المجتمع العادل لم يعد يخضع فقط لعمل الدولة...لم تعد الدولة المرجع الوحيد للمجتمع العادل،بل ظهرت إلى جانبها حركة مجتمعية واسعة...هذه الثنائية في الأدوار وفي المسؤوليات بين الدولة والمجتمع المدني،يمكن اعتبارها أساس الدولة الاجتماعية اليوم...وإنما تتعداهما،لتشمل المدخرين والمستثمرين،عندما يتحول الادخار إلى استثمار في القطاعات الأقل مردودية مالية(الثقافة والخدمات الاجتماعية(أو إلى قروض لصالح الفئات الفقيرة لأحداث مشاريع تنموية...إن التنمية ليست مجرد عملية إنتاجية لتوفير المواد والسلع والخدمات،وإنما هي أكبر من ذلك،تبتدئ بسد الحاجة في الشغل والسكن والصحة والتعليم،وتنتهي عند تحقيق الأمن السياسي والمشاركة في الحفاظ على التوازن البيئي واحترام القانون والمؤسسات".(4)
لقد أفلح التسلّط في استيعاب أغلب مؤسسات الدولة إلى حدّ التّماهي بين الحزب الحاكم والدولة.إنّ الهيكل التنظيمي لعديد مؤسسات الدولة معقّد،نادر التّنسيق،مرتفع الكلفة،مكبّل للكفاءات،مميّع للذكاء الجماعي ومكسور بالفساد.والجهة،بما تقدّم من مفهوم،تقتضي مؤسسات في مستوى رفعة المهمّات،لذا فمن شروط للتنمية المستدامة تفكيك وإعادة هندسة المؤسسات الحكومية.فإذا رُمنا التنمية الجهوية كخيار صلب منوال بديل،وإذا حبّذنا التّمييز الإيجابي كآلية من آليات العدالة،وإذا سلّمنا بانّ التنمية مسار لامتناهي يقتضي المشاركة الواسعة والمتابعة اللّصيقة للتّقييم والتّقويم،حينئذ يجب الإقرار بضرورة توفر مؤسسات محلية وجهوية تنفيذية للتخلّص من البيرقراطية المُكلفة،وللقطع مع المقاربة المُسقطة وقطع دابر الفساد وسدّ الطرق أمام النهب الجهوي.كذلك،من المفروض أيضا تجنّب تداخل المهام بين نوّاب السلطة(الوالي،المعتمد،العمدة)ونوّاب الشعب(مجلس الشعب،مجلس التنمية)من ناحية،وتجنّب تداخل الوظائف بين مجلس التنمية ومجلس الوصاية ومجلس التصرف الموجودة ببعض الجهات من ناحية ثانية.لهذا،فالبديل يكمن في القطع مع هذا التعقيد الهيكلي الإداري وذلك بإعطاء الجهات جزء من وظائف تقريرية وتنفيذية للتخفيف من أعباء المركزة بتشريك فعلي للمجتمع الأهلي بالمدن والقرى والأرياف.إنّ"المرور إلى الديمقراطية بمعناها الكلّي يجب أن يكون تدريجيّا لأنه يتطلب نهضة المجتمع المدني.وهي عملية عسيرة تحتاج لنفس طويل وجهد كبير من كل الأطراف،ومن أبرزها الدولة،ذلك أن السلطة إذا كانت شرعية حقا...حليف موضوعي للمجتمع المدني."(8)
2.2.   إعادة تقسيم القطر وفروع الإنتاج...نهج التنمية المستدامة والعدالة
لقد أقرّ الدستور ضمنيا بغياب العدالة الاجتماعية وانعدام التوازن بين الجهات من خلال النصّ بضرورة أن"تسعي الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية،والتنمية المستدامة،والتوازن بين الجهات...واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي..."(الفصل12)(5)وبالفصل 129 من الباب الرابع الخاص بهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة.فالتمييز الإيجابي بمثابت حكم"تشريعي/سياسي"لردّ الاعتبار للجهات وبعض الفئات الاجتماعية.لكن،ما هي مبادئ وشروط التمييز الإيجابي؟
من شروط التنمية المستدامة،ضرورة إعادة النظر في التقسيم الفضائي الحالي الذي غلب عليه الطابع الأمني/السياسي.لذا،لا يمكن إصلاح الوضع إلاّ بتقسيم ركيزته الأساسية جملة الموارد البشرية والطبيعية والمؤسساتية التي تسمح بالنّمو المتوازن داخل الجهة وبين الجهات،تقسيم يسمح بإنشاء فروع إنتاجية محلية وجهوية بمثابت أقطاب اقتصادية.ولا فائدة من إعادة التقسيم الجهوي إذا لم يقطع نسبيا مع الهياكل التنظيمية المركزية ومع المقاربة الأفقية القطاعية.فالموارد الطبيعية بالجهات متنوعة وكذلك الموارد البشرية القادرة على صياغة البرامج التنموية.ما يجب استكماله في هذا المجال يكمن في:(i)تمشي تشاركي يأخذ بعين الاعتبار العناصر الضرورية للتنمية الشاملة والمستدامة؛(ii)انتخاب مجالس محلية وجهوية تضمّ كلّ الفئات دون استثناء لأي شبر من المحليات وبالتالي الجهة؛(iii)تنشيط السوق الداخلية كشرط أساسي لاستكمال الدورة الاقتصادية،لأنّه كلما كان المعروض محلي الانتاج ومُلبّي لحاجيات الاستهلاك العائلي لفروع الانتاج المحلية،كلما ازداد التّمكّن من ناصية الحوكمة.أمّا العكس،يبقى القطر في تبعية وعرضة للابتزاز السياسي.يمكن إسقاط ثنائية القطر/الخارج واعتمادها في مستويات جغرافية أدنى : أقاليم/قطر– جهات/إقليم– محلات/جهة.
كما يجب أن تشمل المراجعة الهيكلة الاقتصادية للقطع مع المقاربة القطاعية والمنظوماتية العمودية،باعتماد هيكلة بديلة تتخذ من فروع الإنتاج،أفقية المنحى وشبكية الأفق.ما يميّز فرع انتاج ما عن منظومة إنتاج ما هو مجال الشراكة الواسع الذي يضمّ المنتجين والمجمّع والمصنّع وفق مبدأ الربح المتناصف،وأن يكون التفاعل مع الفروع المثيلة أو غيرها،بالجهة او بالجهات الأخرى مبني على التكامل لا على التّنافس.قد تسمح هذه الفروع بتطوير وسائل الإنتاج،وباستغلال أمثل لموارد الفضاء الجغرافي (محلي،جهوي،قطري)ولوسائل الإنتاج،وقد تضع حجر أساس لعلاقات إنتاج بديلة،وبتشجيع الاستثمار المحلي والشراكة التي تحفظ حقّ المستثمر المحلي وتصون حرمة الوطن.
يمكن الجزم أنّ أغلب عناصر الهيكلة  البديلة متوفّرة أو هي في طور الاستكمال،منها: (i)تنوّع الموارد والبنى التحتية بالجهات؛ (ii)توفّر المعارف المتراكمة والشباب الماسك بناصية التقنيات الحديثة؛ (iii)رقيّ مستوى الإدراك الذهني بمنافع الشراكة؛ (iv)توفّر الحوافز المالية والجبائية لفروع الانتاج.إنّ وضع الأسس لخلق ديناميكية الإنتاج والتسويق والتوزيع بالأسواق الجهوية لبنة من اللبنات الداعمة للاقتصاد البلاد والاستقرار وحجر زاوية للقضاء على التهميش والظواهر الإجتماعية المرضية.ومن الفوائد المرتقبة لفروع الانتاج الجهوية التقليص في استهلاك الطاقة المسخّرة للتسويق والتنقل وبالتالي من كلفة الإنتاج ومن التلوث.ولعلّ ما ورد بوثيقة"الاستراتيجية الصناعية 2016"(6)الصادرة عن اتحاد الصناعة والتجارة ما يليق بأن يُذكر،حيث ركز على التشجيع لإحداث فروع إنتاج مختصة،خاصة المرتبطة بالصناعات الغذائية والكهرو-ميكانيكية والنسيج والأحذية وفي مجال الاعلام والاتصالات،وعلى ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات القطاعية المعنية بالتنمية(وكالة النهوض بالاستثمار الفلاحي؛وكالة النهوض بالصناعة والابتكار؛وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي)في اتجاه تأسيس أقطاب للكفاءات المؤسساتية التي سيضطلع بمهمة النهوض بالمشاريع الجهوية من خلال توحيد المؤسسات الإحاطة المالية والبنكية وغيرها.
من البديهي أنّه لا تنمية بدون استثمار،ولا استثمار بدون نموّ اقتصادي !وبما أنّ التنمية مستدامة فالاستثمار بالضرورة دائم،وبالتالي لابدّ من توفير الموارد بما في ذلك المالية منها،ذاتية المصدر(استحثاث الادخار والإقراض الداخلي)وخارجية المصدر(تداين خارجي،استثمار خارجي مباشر). فالمصدر الأول غير ممكن في حالة التخلّف(استحالة فائض القيمة وبالتالي الجباية)،ويستحيل عندما تفرّط الحكومات في مصادر التمويل الذاتي للدولة،بخصخصة المؤسسات العمومية و/أو بتقليص المداخيل الجمركية.أما المصدر الثاني،أي الاستثمار الخارجي،فيتطلب حزمة من الشروط الضامنة لاستخلاص الديون.من هنا يبرز دور البنك المركزي ووزارة المالية لدعم التنمية الجهوية.فللجباية الجهوية دور أساسي لتنمية الجهة وهو ما يقتضي إعادة النظر في آليات المنظومة الجبائية بهدف رفع جزئي لأيدي المركز على الجباية وعند تحديد أولويات فروع الاستثمار بالجهة.
الخاتمة
بمثل هكذا مقاربة ينتفي مرجع الولاء السياسي والقطاعي والمهني لتحلّ الجهة محلّهم من خلال الروابط صلب فروع الانتاج وما يربط بين الفروع بالجهة.ولهذه الفروع التزامات يشترط احترامها تخص البيئة والموارد القابلة للفناء،وعلى رأس المال واجبات المساهمة في الخدمات الاجتماعية والثقافية والإعلامية والرياضية بالجهة.من المحبّذ،أن يكون للفروع روابط شراكة على المستوى القطري والإقليمي والعالمي.بهكذا تصور تنشأ وتتجذّر فروع إنتاج بكلّ جهة وتتشابك وتتكامل فيما بين الجهات،يكون مجموع وظائفها أساس الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للقطر ككلّ.وتعمل كل الفروع الإنتاجية بإشراف ومراقبة المجلس التنموي المنتخب،في اتجاه تحقيق استحقاقات المرحلة من: (i)توفير مواطن الشغل في إطار ظروف لائقة ومشجعة على الإبداع؛ (ii)تحقيق السيادة الغذائية بوسائل تعتمد الطاقة المتجددة في إطار محافظ على التنوع البيولوجي ومثرية له،وضامن للسيادة القطرية،وعماد أساسي للصحّة العامّة؛ (iii)تأسيس شبكات أهلية منشطة وداعمة للإبداع الفكري والعلمي والإعلامي والرياضي والثقافي...الخ.
لهذه المقاربة وهذه الأنشطة مناهضون،بعضهم باسم"البراغماتية"يروم تقليص وظائف الدولة،خاصة الاجتماعية منها،والبعض الآخر يهدف إلى تفكيك أواصرها تحت يافطة"ضرورة الانخراط في مسار الكوكبة"أو"ضرورة الانخراط في مسار الأسلمة"،وكلّهم معادي للديمقراطية بشكل عام وللديمقراطية المحلية بشكل خاص.في المقابل،لهذه المقاربة أنصار كذلك،لكن بعضهم لا يرى امكانية الإنجاز بدون جبهة سياسية متمكّنة من أجهزة السلطة والبعض الآخر يراها ممكنة باستحثاث وتحريض مواطني الجهات بالاستيلاء على المؤسسات والتحكّم في مصادر الثروة.لكننا نراها ممكنة الانجاز تدريجيا من خلال استكمال صياغة المشروع التنموي من ناحية،ومن خلال التطارح حول الفصول الدستورية ذات الصلة من ناحية ثانية،ومن خلال التعريف بالمشروع(نقاط القوّة)والتشبيك مع القوى الاجتماعية المناصرة له لفرض الاصلاحات الواردة أعلاه.كلّ من سبق ذكرهم بالمقدّمة ممن قد يعارض هكذا مقاربة وتمشّي لا يرومون مبدأ الديمقراطية في بُعدها السياسي والاجتماعي،فهم لا يرومون الديمقراطية النيابية إلاّ عندما تفرضها موازين القوى فما بالك بالديمقراطية المباشرة،رغم توفّر أغلب شروطها.إنّ شرط توفّر مواطنين ثقاة لهم من الوعي الاجتماعي والإطلاع ووسائل التواصل والاتصال بما يسمح لهم تحمّل المسؤولية موجود بكلّ المحلاّت والجهات،فلماذا يستكثر عليهم البعض عبء المسؤولية المحلية والجهوية ؟ أليس من مصلحة السّلط ومؤسسات الدولة المركزية انشطار المسؤوليات حتّى تخفّ عنها أعباء الضغط الداخلي والخارجي؟أليس من مصلحة كلّ أهالي المحلّة(جزء من الجهة)أو الجهة الانخراط في عملية جماعية لتنمية مواردهم وتقاسم ثروات انتاجها بالعدل ؟
المراجع
(1)طريقة العمل مع الجماعات_د.ماجدة كمال علام ؛ (2)  L’oeconomie_Pierre Calame ؛ (3)مشروع مجلة التنمية المحلية؛

 (4) الدولة الاجتماعية_د.رضوان زهرو؛ (5)الدستور؛ (6)الاستراتيجية الصناعية_اتحاد الصناعة والتجارة؛ (7)دولة ما بعد الثورة_أيمن البوغانمي-