jeudi 4 septembre 2014

خاطرة حول صندوق الدّعم – عبد المجيد بنقياس

كثر الحديث عن "صندوق الدّعم"إلى حدّ أن أحدثت من أجله"لجنة الدّعم"في إطار التحضير للحوار الاقتصادي.بعيدا عن أسلوب التلاعب بالأرقام والمؤشرات الذي يستعمله البعض لتمرير إملاءات خارجية أو البعض الآخر لأغراض سياسية بحتة،لسائل أن يتساءل عن ماهية وأهداف صندوق الدّعم،وعن المنتفعين منه،وعن الأسباب التي دفعت بالبعض المنادي بضرورة حذفه أو تلك التي جعلت البعض الآخر متشبّث بالإبقاء عليه.
لست بالأكاديمي لتقديم بحث أو محاضرة ولا بالصحفي للإثارة ولا بالسياسي بحثا عن كرسي سياسي،بل مواطن همّه الشأن العام وخاصة بالمواضيع التي تهمّ الفئات المهمّشة والمفقّرة وخصوصا لمّا يزجّ بمصالحهم في أتون الصراعات السياسية والخيارات الاقتصادية والاجتماعية والكلّ مدّع بالدفاع عنهم.لهذا ارتأيت أن أساهم بأسلوب برقي بعض الخواطر التي قد لا تفي بحاجة الأكاديمي المختص أو الصحافي المندس أو السياسي المفلس. 
1/ متى ولماذا أحدث صندوق الدّعم؟...أحدث الصندوق لأوّل مرّة بتونس سنة 1945 بقرار من الباي(28جوان 1945)ثمّ وقع إحيائه سنة 1970(قانون 26/ماي1970)كإحدى الآليات للتحكّم في أسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية(خبز-غاز-إنارة-نقل)في ظلّ اقتصاد يعتمد على فعل"اليد الخفية"أي العرض/الطلب كآلية من آليات الاقتصاد اللّيبرالي.
2/ ما هي آليات التمويل؟...ضريبة على الدّخل الفردي الذي يفوق حجم يقع مراجعته دوريا.
3/ ما هي مسارب الصرف؟...المواد الأساسية والطاقة والنقل والورق...كلّ زيادة ببعض المليمات في سعر إحدى المواد المدعّمة ينجرّ عنها صرف مئات المليارات من المليمات من خزينة الدّولة...
4من هم المنتفعون؟...الأكيد أنّ كلّ الفئات الاجتماعية منتفعة بنسبة تختلف وفق حجم استهلاكها للمواد المدعّمة.فالعائلات المعوزة برغم كثرتها لن تكون إلاّ آخر المنتفعين بهذه الآلية نظرا لقلّة استهلاكها للمواد الأساسية الغذائية وندرة استهلاكها للطاقة(تنوير،محروقات).في المقابل تتمتّع الفئات متوسطة الدخل بنسبة أرفع نظرا لحجم قاعدتها عدديا ولتنوع المواد المستهلكة كمّا ونوعا.أمّا عن أصحاب المؤسسات المستهلكة للطاقة خاصة فهي صاحبة النفع الوفير رغم قلّتها العددية.كما لا يجب أن يغفل حجم الاستهلاك المدعّم الذي ينتفع به الملايين من السيّاح.
5/ لماذا يريد البعض حذفه؟..يجب التذكير أنّ هذا البعض هم من فئة المدافعين الكبار على وحشية اقتصاد السوق ومن أكبر المعادين للوظيفة الاجتماعية للدولة..يعلّل هؤلاء رأيهم بكثرة المنتفعين بالدّعم من أصحاب الدّخل المرتفع الذين تجمعهم نفس التوجهات !قد يتبادر إلى الذهن سؤال قد لا يجد له جواب كلّ المغفلين،هذا السؤال:كيف قبل أصحاب المؤسسات رفع الدعم؟لا غرابة في ذلك ما دامت الإملاءات خارجية(صندوق النقد الدولي-البنك العالمي-البنك الإفريقي للتنمية...الخ)وما دام إجراء تصفية صندوق الدعم في مراحله الأولى.فهناك فرصة لأصحاب المؤسسات وأصحاب الدخل المحترم لتدارك تأثيرات رفع الدّعم من خلال تطبيق سياسة اقتصادية واجتماعية ليبرالية متوحشة تعتمد على الامتيازات الجبائية(ما تفقده المؤسسة من الدعم ستربحه بتحرير الأسعار)وموجّهة للتصدير(إن لم يقدر المستهلك التونسي فالمستهلك الأجنبي في الانتظار).لكن،ماذا عن الفئات الضعيفة أو متوسطة الحال؟هنا يكمن سرّ نعت"التّوحّش"الذي أطلقه بعض المفكرين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين.استحبّت مثل هذا الإجراء منذ بداية الثمانينات وهو أكبر مؤشر يدلّ على نيّة القطع النهائي مع الدور الاجتماعي للحكومات والمرور إلى مرحلة التّوحّش الرأسمالي/الليبرالي الذي ترومه الشركات العابرة لأسواق وسيادة الدول...
6/ما الحلّ؟ لنعد لأسباب إحداث آلية الدعم !السبب الأوّل يكمن في وجود فئات اجتماعية لا تقدر على مجارات نسق تواتر أسعار المواد الغذائية الأساسية وأسعار الطاقة والورق المدرسي.السبب الثاني مرتبط بمحدودية الموارد الطبيعية الكفيلة بضمان الاكتفاء الذاتي من المواد المدعّمة.السبب الثالث في علاقة بماهية نمط الإنتاج القائم وماهية المؤسسات القائمة على إنتاج الثروة والتسويق والتوزيع لفائض الإنتاج والقيمة.
إذا كان عدد سكان تونس،في الأربعينات من القرن الماضي،لا يتعدّى الـ3ملايين نسمة،فما الذي دفع بالباي لإصدار مرسوم لإحداث صندوق الدّعم؟ إنّ نهب الاستعمار الفرنسي ونهب حاشية البايات والطبقة الإقطاعية وراء اتساع قاعدة الفئات المفقّرة،هذا إلى جانب سنوات الجفاف التي حتّمت توريد الحبوب.
  1.         i.            إذا كانت الموارد الطبيعية محدودة فمن الضروري تطبيق حزمة من التقنيات التي تتماشى مع الوضع وابتكار أخرى لتثمين المتوفّر من الموارد وترشيد الاستهلاك.إنّ المواطن التونسي من أوائل المستهلكين للحبوب في العالم !إنّ الخارطة الفلاحية التي تعمد عديد المؤشرات الموضوعية(مناخ،موارد مائية،نوعية التربة..)تؤكّد على إمكانية تخصيص مساحات شاسعة لزراعة الحبوب اللّيّنة(فرينة).لماذا التمادي في التحفيز على زراعة الحبوب الصلبة(قمح)كما فعل الاستعمار الفرنسي؟؟إذا كان للاستعمار مبرراته الكامنة في النهب لصالح مواطنيه فإنّ مبررات الدوائر المسؤولة منحصرة في ضرورة دعم النسيج الصناعي الغذائي والتصدير(كسكسي،محمّص،مقرونة،شربة) ! عن أيّ اكتفاء ذاتي يتحدّثون؟ما هي أفق الأمن الغذائي الذي به يتشدّقون؟؟
  2.       ii.            يكفي أن يقع مضاعفة المساحة المخصصة لزراعة الحبوب اللينة لتحقيق 80%من حاجيات الحبوب بأقلّ التكاليف}لا تتطلب عديد التدخلات لتحضير الأرض(أقلّ استهلاك للمحروقات)،تقاوم الجفاف والأمراض(أقلّ استهلاك للأدوية)،قدرة إنتاجية أكبر من الحبوب الصلبة(21قنطار/هك مقابل 18ق/هك){؛
  3.     iii.            يكفي أن تحفّز الحكومة على تربية المجترات الصغيرة(غنم وماعز)لإنتاج الحليب واللحوم الحمراء حتى نحيّد الميزان التجاري نحو الإيجاب.
  4. يكفي استصلاح 20% من الأراضي غير المحترثة (5ملايين هك)والتوجّه نحو دعم الموارد المائية(تحلية مياه البحر)ودعم استثمارها(لا بيعها للمستثمر الأجنبي)حتّى نضمن الأمن الغذائي لمواطني تونس برغم النمو الديمغرافي المتعارف عليه؛
  5.      iv.            يكفي دعم منظومة البحث العلمي وتوطين ابتكاراتها حتى يتسنى لتونس استغلال موارد الطاقة المتجدّدة(رياح،شمس)غير المكلفة ماليا وغير مضرة بيئيا؛
  6.        v.            يكفي مراجعة الآليات التعليمية والإعلامية والإدارية،باعتماد الوسائل الحديثة،حتى يتسنى للمؤسسات التقليل من استعمال الوسائل الورقية في التعليم والإدارة والإعلام؛
  7.      vi.            يكفي صياغة منظومة ضرائب تعتمد العدالة في الجباية والعدالة في تقاسمها حتى يتحفّز المواطن إراديا للقيام بواجبه الجبائي؛
  8.    vii.            يكفي تشريك مواطن الجهات،على اختلاف وتنوع مواردها،في صياغة البرامج التنموية ومراجعة منظومة التمويل والتأمين وآلياتها للتشجيع والتحفيز على الاستثمار.

عندها فقط،يرتفع حجم إنتاج المواد الاستهلاكية الغذائية والتربوية والإدارية والإعلامية بأقلّ التكاليف ويرتفع دخل المواطن التونسي؛
وقتها فقط،يمكن الحديث عن توفر الظروف والإطار الأنسب:دولة اجتماعية تعتمد على منظومة من المؤسسات أفقية النسيج وحديثة الوسائل تثمّن الموارد المهملة وتستهلك المحلي من الموارد بأقل التكاليف..وقتها يمكن الحديث عن تحقيق لأهداف المسار الثوري:شغل يضمن الاكتفاء البيولوجي والنفسي وخلاّق لمواطن الشغل...حرية فردية وجماعية تضمن المشاركة الفعلية للمواطن... انعتاق البلاد من وحشية "اليد الخفية".. وقتها فقط،لن يعد هناك موجب لآليات الدّعم التي ابتكرتها الدوائر الرأسمالية في زمن الاستقطاب الثنائي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire