mardi 12 novembre 2013

الانتقال الديمقراطي:من سلطة النهب المفضوح الى سلطة النهب المسموح ـ د.عبد المجيد بنقياس


الانتقال الديمقراطي،مفهوم ابتدعه منظرو الليبرالية بهدف توسيع رقعة استغلال الثروات بأقل التكاليف الممكنة.مفردات المفهوم تكفي للدلالة على الهدف الذي لا يتجاوز مجال التقاسم و/أو التداول على سلطة ضامنة لفتح خزائن فضائها الجغرافي وصمام الأمان لحسن استغلال الثروات.لقد أصبحت بعض الأنظمة غير قادرة على المساهمة في بلوغ الهدف وأضحى من الضروري التضحية بها واستبدالها،فلا الأنظمة العنصرية{جنوب افريقيا،اسرائيل}،ولا النظام البيروقراطي بأوروبا الوسطى{يوغسلافيا،بولونيا،المجر...}،ولا الأنظمة التيوقراطية{إيران،افغانستان}أو العسكرية{العراق،ليبيا،السودان،سوريا}قادرة على الاستجابة لطموحات رأس المال المالي،خاصة أمام تصاعد وتيرة الحراك الاجتماعي واتساع رقعته عالميا،لذلك جندت الأموال ووسائل الإعلام والآلة العسكرية لإسقاط هذه الأنظمة مع الدعاية الى ضرورة الانتقال من مرحلة سلطة الفضائح الى سلطة النصائح،أي من سلطة النهب المفضوح الى سلطة النهب المسموح.بالرجوع الى بعض المفاصل التاريخية القريبة،يمكن فهم المخططات واستراتيجية رأس المال المالي.فأول المفاصل،اندفاع كل الدول الى القطع مع النظام العنصري بجنوب افريقيا الذي يستهدف خيرات مجموع بلدان تلك المنطقة الجغرافية لقطع الطريق أمام التّنّين الصيني الصاعد والدبّ السوفياتي الجريح،ثم تلاه مفصل ثان ألا وهو تفكيك الدول{الاتحاد السوفياتي،يوغسلافيا،السودان}واستدراج كمّ هائل من دول أوروبا الوسطى الى المنظومة الاقتصادية والأمنية الغربية.أما المفصل الثالث،فيكمن في الهجوم غير المسبوق لإسقاط الأنظمة غير الموالية للخيارات الاستراتيجية و/أو تلك التي لم تعد قادرة على تحقيق أهداف المؤسسات العابرة للقارات.
الانتقال الديمقراطي،ككل مسار تطبيقي،يستلزم فاعلين جدد وامكانيات مادية إضافية.لهذا عمل صائغوا الاستراتيجية على دعم بعض المؤسسات"المدنية"وحتى الأمنية لتكوين حاضنات أو منابت"مدنية"بكل الدول لكي تصبح فاعل رئيسي في الحياة السياسية والاجتماعية داخل مجتمعاتها وهي التي اصطلح على تسميها بـ"المجتمع المدني"الذي استعملت من أجله كل الوسائل المالية والإعلامية والأمنية حتى ينضج للقيام بما خطّط وحدد له من مهام وأنشطة للانتقال من منظومة الى أخرى دون المساس بجوهر النظام الاقتصادي وبدون تغيير للمنوال التنموي المتبع.فالمقصود بالانتقال هو جبر الضرر الاجتماعي والتزويق السياسي أقرب منه الى تفكيك النظام وإعادة تركيبه

تونس : انموذج للانتقال الديمقراطي السلمي

بادئ ذي بدء،الانتقال لا يعني إعادة النظر في كل تركيبة وآليات كل المنظومات التي يعتمدها النظام القائم،وسلمية المسار الانتقالي لا تعني بالضرورة غياب إرهاب الدولة وإراقة الدماء،فالتعذيب والقتل لا يعني شئ أمام المصالح الآنية والاستراتيجية التي أحبك رأس المال هندسة خيوط حبالها وحبال شباكها.فمنذ انطلاق الحراك الاجتماعي بسيدي بوزيد،اخرجت من الرفوف البرامج المعدة سلفا لتدجينه تحت يافطة"المجتمع المدني...شريك ضروري"لتأطير الحراك قبل استفحال الأمر واتساع رقعة انتشاره.أكبر دليل على ذلك أن أول الداعين لهذا التمشي هم الحكومات الغربية والسلطة السياسية القائمة أنذاك وأن أول من سارع إلى تلبية تلك الدعوة هم من رؤوا في أنفسهم قادرين على السير في هكذا مسار.فالأحزاب التي تتدعي الوسطية والواقعية من ناحية،والبيرقراطية النقابية وبعض المنظمات"المدنية"وبعض"الشخصيات الوطنية"سارعت الى الحوار مع السلطة المتهاوية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.هذا السيناريو التدجيني أعد مسبقا،لأن كل هؤلاء الفاعلين استخلصوا الدرس من أسباب وتداعيات انتفاضة الحوض المنجمي التي جدت خلال سنة 2008،واعتقدوا أن الأوان قد حان لبعض الرتوش والتزويق السياسي.كانوا على يقين بأن التمشي الذي يعتمد على الإنفراد بجهة أوقطاع لن ينفع لتلجيم الانتفاض الاجتماعي،وأن التنكيل والتقتيل أضحى عديم الجدوى أمام إصرار شباب الجهات والأحياء المهمشة.لكن ما غاب عن هؤلاء هو أن الشرخ الفاصل بين السلطة والدائرين في فلكها من ناحية،والفئات المهمشة من ناحية ثانية،قد اتسع ولم يعد يقبل الرتوش...أمام الزخم الاجتماعي وتجذر مطالبه،ارتبكت الحكومات الغربية،فمنها التي آمنت بضرورة الركض بـ"بديل السياسي" نحو أفراد محضنتها"المدنية" ومنها من عمل على تأمين السلطة بمدها بالوسائل القمعية ومنها من تحمل أوزار أمن لأفراد متنفدين من رئيس ووزراء ورجال أعمال.رغم محاولات الاتفاف الأولى منها التلاعب الدستوري{فصل56و57}والسياسي{تكنوقراط تجمعيين بالداخل والخارج}والأمني{فزاعات للترهيب}والإعلامي{فتح المنابر للمجتمع المدني مع إقصاء ممنهج لأبناء الجهات المهمشة}استمر المهمشون في التصدي وفك عقدها بالاعتصام{قصبة1و2}وبلجان الأحياء الأمنية وبالتواصل عن طريق أخطبوط الشبكات الاجتماعية.لما تأكد كل الفاعلين الجدد من صعوبة إفشال الحراك نظرا لطبيعة منحاه"البراوني"،انتقل الجمع الى تطبيق الخطة الثانية انطلاقا من نافذة التغيير الدستوري التي كان من بواكر مواليدها"الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي"و"الهيئةالعليا للانتخابات"ثم"المجلس الوطني التأسيسي".
لكن هذه السياسة التوافقية التي انطلت على قواعد الأحزاب التقليدية وعديد الجمعيات والأفراد أدت الى نتائج ينعتها العديد بالكارثية.فلا الآليات الانتخابية المستنبطة حالت دون صعود أغلبية حزبية{النهضة}ولا دون تأثير المال السياسي{شراء ذمة بعض النواب}ولا دون التلاعب بالأجندة السياسية.هذه السياسة التوافقية التي كانت سببا في إهدار كثير من الوقت والأموال لإنتاج"مسودة مشروع الدستور"محبطة للآمال.لكن القراءة السريعة لنسبة الذين قاطعوا الانتخابات{52 بالمائة}وتفاقم وتيرة الحراك الاجتماعي ونسبة العزوف من الانتماء الحزبي يمكن أن تحيل العديد ممن يعمل على تقاسم الكعكة على أن يعيد حساباته
إن انعدام النضج الفكري والسياسي لمكونات"المجتمع المدني"جعله غير قادر على هضم الشعارات الرئيسية التي رفعها الشباب المعطل والمهمش وهو ما دفع تلك المكونات،خاصة بعد 23أكتوبر،الى البحث العشوائي عن التحالفات والاتفاقات التي تضمن الوصول الى المسك بتلابيب السلطة.فالمشهد السياسي شبيه بالقطاع السياحي من حيث نوعية الفاعلين والآليات،من سماسرة للتوجيه السياسي يسترزقون بنسبة مائوية ومن وحدات الخدمات المتصارعة مع ندرة الجودة الخدماتية.ألف المواطن التونسي الحركة السياحية السياسية الفردية{داخل قبة التأسيسي}والجماعية{كتل وجبهات}وانقسم المواطنون بين مساند  للانصهار وآخرون في انتظار وانكسار.فالحالة الراهنة مقصودة بمسار"الانتقال الديمقراطي"والهدف منها تقلص وتيرة الحراك الاجتماعي أولا،وتناقص سقف الشعارات الى الحدود التي يسمح بها رأس المال المالي ووكلائهم المحليين ثانيا،والسماح بتنظم القوى المناهضة للتغيير الثوري ثالثا.فـ"الانتقال الديمقراطي"وسيلة من الوسائل لتعطيل المسار الثوري الاقتصادي والاجتماعي وتحويل وجهته نحو بعض الرتوش السياسي،فالدولة بمكوناتها الثلاث{مجال الثروات،شعب،سلطة}لم يستهدفها التغيير الدستوري{انظر المشروع المسودة
ü      انعدام تجريم العبث والتلاعب بثروات البلاد{استثمار،بيئة}؛ 
ü      التملص الكلي للدولة من وظيفتها الاقتصادية{كمنتج}والاجتماعية{ضامنة وغير ملزمة}؛
ü      المحافظة على نفس منظومة السلط مع صراع مكشوف حول طبيعة النظام{رئاسي/برلماني}؛ 
ü      الحد من دور المواطن وحشره في زاوية الاستشارة لتزكية المشاريع التنموية{سلطة محلية}. 
لا يستنتج قارئ المسودة غير تأبيد للمنوال القديم الفاشل في مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية،وهذه مرحلة من مراحل نفق مظلم يؤدي حتما الى دائرة ثقب أسود لن كسره وينير السبيل
غير بعض من شرارة بوزيد/القصرين للإطاحة بمن يخطط بالقصرين(القصبة،قرطاج).

د.عبد المجيد بنقياس

 جانفي 2013

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire