mardi 12 novembre 2013

سياسة النّفاق وحكومة الأنفاق -- عبد المجيد بنقياس --


لا يختلف في نعت الوضع التونسي بالمتأزم إلاّ بعض من لهم مصلحة ما في بقاء الحال على ما هو عليه.فالأزمة تشمل كل مجالات حياة التونسي مهما كانت مشاغله،فهو كارثي من النواحي الاقتصادية والإجتماعية والسياسية والبيئية في أبعاده الزمنية الثلاث{الآني،المتوسط،البعيد}،وهذا يهمّ أغلب الفئات الاجتماعية أينما كانت وخاصة بالجهات والأحياء المنعوتة بالمهمّشة والتي يصحّ نعتها تدقيقا بالمسلوبة أو المنهوبة.فصياغة وانجاز البرامج التنموية لم تقطع مع المنوال الفاشل بجميع أبعاده من حيث التمشي{إسقاط مركزي}والأولويات{منوال سياسي/أمني}والأهداف المرحلية والاستراتيجية{أمن،نمط مجتمعي}والآليات{بيرقراطية إدارية}وكيفية توفير الموارد{التداين،الجباية غير العادلة}.فحكومة الترويكا تعاملت مع الوضع بمنطق الغنيمة فسعت الى تلجيم عديد القطاعات منها القضاء والإعلام والأمن،محافظة على نفس المنوال التنموي بنسق انجاز دون تطلعات الفئات سالفة الذكر،برغم بعض الرضاء الحيني الذي أبداه ممن اهتزت فرائصهم لمّا اطلعوا على الفصول ذات الصلة الواردة بـ"مشروع مسودة الدستور".كلّ المؤشرات توحي بأزمة شاملة في تفاقم مطرد،فهي أزمة مالية{نسبة التداين،نسبة التضخم المالي}واستثمارية{عزوف على الاستثمار،غلق المؤسسات}واجتماعية{نسبة البطالة،ارتفاع الاسعار}وأمنية{سرقة،جرائم،اعتداء على الأشحاص والأملاك،اغتيال}وبيئية{مشروع غاز الشيست،تلوث بالمناطق البلدية يشمل البناء
الفوضوي كما الفضلات}

في ظلّ هذا الوضع،ازدادت وتيرة الحراك الاجتماعي والسياسي بنسق مختلف واتجاه معاكس في أغلب الحالات.فالحراك الاجتماعي أرهق كل السياسيين،انطلاقا من الذين بيدهم السلطة إلى المعارضة بكل أطيافها.فلا دعوات التهدئة ولا التدخل الأمني حال دون المنحى التصاعدي للحراك الاجتماعي ولا حال دون ارتفاع شدّته وتجذّر مطالبه.من أسباب هذا المنحى يمكن ذكر تنكّر الماسكين بالسلطة لوعودهم الانتحابية،بل محاولات التّعليل التي استفزت الكثير من ناخبهيم وجزء عظيم من معارضيهم،كما استفزت المحاصصة الحزبية جلّ القوى الاجتماعية والسياسية،وهو ما ساهم في الارتفاع الكمّي المتواصل للغاضبين.كما تجذّر الجانب النوعي للحراك الاجتماعي/السياسي الذي يجد جذوره في تطور مستوى الوعي والاطلاع والعزيمة والقدرة على التعبئة،خصائص يحوز عليها شباب تلك المناطق والفئات المسلوبة.إنّ بحر المحاصصة الحزبية بطبعه محدود الأفق،كثير الإضطراب وصعب الإبحار.فالمحاصصة الحزبية تفترض تجربة كبيرة في المجال الديمقراطي والتشاركي،وهي غير ممكنة البتة بين فرقاء يختلفون جذريا من حيث المنهل الفكري والمبادئ الأساسية والأهداف الاستراتيجية،هذه التي تمثل وقود كل توافق وهو ما تفتقده جلّ مكونات المجتمع الأهلي.أما عن المعارضة الممثلة بالمجلس التأسيسي فقد ساهمت في تقليص حدود فعلها وفاعليتها وانحدار جاذبية الأحزاب التي تمثلها بعد انكشاف نهمها الكبير للسلطة والمقايضة السياسية داخل الأنفاق وتبنيها لمشاريع الزيادة في رواتب ومنح النواب ،وبغيابهم المتواتر عن الجلسات،وبدفاعهم المستميت عن التمديد الزمني لأشغال"المجلس التأسيسي"،وبسكوتهم عن استفحال ظاهرة"السياحة الحزبية".باختصار شديد،فشلت الأحزاب ويتجلى ذلك في المشروع المقدم:"مشروع مسودة الدستور

فشلت الحكومة الائتلافية وفشل المجلس التأسيسي التوافقي،هذا ما عبّرت عنه أطراف متنفذة في الحكم والمعارضة الحزبية والقوى الاجتماعية.لتشخيص هذا الوضع هناك عدة أسئلة مطروحة،الإجابة عنها مفاتيح للحلول الممكنة:ما هي الأسباب الدافعة للقيام بالتحوير الوزاري؟ من هم الفاعلون لتفعيل اتفاق مفترض أو مفروض؟ من هم الرافضون ولماذا ؟ لماذا تتملص بعض الأحزاب"المعارضة"التي كانت تلوّح بهذا المطلب منذ مدّة ليست بالقصيرة؟ لن تكون الإجابة على هذه الأسئلة بالطريقة التقليدية،بل ستكون في قالب تساؤلات إيضافية إيحائية مع طرح بعض الفرضيات

من البديهي علميا أن يحدّد الطريق أو المسار،مهما كان منحاه وعدد وحدّة منعرجاته،بنقطتين إثنتين:نقطة انطلاق ونقطة وصول.في الحالة التي هي موضوع هذا النص نقطة الانطلاق صعبة التحديد نظرا لتعدّد وتنوع المطالب والفاعلين والامكانيات،وهو ما ساهم في ضبابية نقطة الوصول المتمثلة في الأهداف المرحلية والإستراتيجية.لكن من المنطقي والشرعي اللّجوء إلى منظار السواد الأعظم لمن اطلقوا شرارة الحراك الاجتماعي وساهموا في نجاحه النسبي.في هذه الحالة،تكون الشعارات المركزية للحراك هي نقطة انطلاق للتغيير الحقيقي والشرعي.إنّ عجز الحكومات الوقتية المتعاقبة{غنوشي 1و2،السبسي،الترويكا}على إنجاز ما وعدت به يعود بالأساس لانحرافها عن أهداف الثورة التي تتدعي العمل على انجازها والدفاع عنها.فإن كان للحراك الاجتماعي والسياسي الدور الأساسي في إسقاط حكومتي الغنوشي فقد كان للمحاصصة الحزبية دور في إنهاء مهمّة حكومة السبسي.أمّا خيار اللّجوء الى تغيير التركيبة الحكومية الحالية{تحوير وزاري}فلا يعدو أن يكون غير محاولة لضرب عدّة عصافير بحجر واحد،من أهمّها:تقليص زخم الحراك الاجتماعي أولا،فرملة المنظومة المالية السائرة نحو الإفلاس تحت رعاية صندوق النقد الدولي ثانيا،تشريك الآخرين في الفشل ثالثا،التّظاهر بوجه ديمقراطي/تشاركي رابعا،التّفرّغ للحملة الانتخابية خامسا...الخ.إنّ المشاورات الجارية سائرة لتحقيق النقاط سالفة الذكر.لسائل أن يتسائل

ü    ماذا عسى أن تضيف أو تصحّح الكفاءات"غير المتحزّبة"المدعوة الى انجاز برامج حزبية مسبقة تحت رقابة كتاب دولة ومديرين عامين وإداريين موالين لحكومة فاشلة{خيار أول}؟

ü    ما الذي يمكن أن تفعله الشخصيات الحزبية التي تنتمي إلى مشارب مختلفة في حكومة مؤقتة جديدة مدعوة الى إنجاز برنامج تحت إشراف رئيس الحكومة متحزّب{خيار ثاني}؟

ü    ألا يمكن افتراض أنّ من أهداف عملية اغتيال الشهيد"شكري بلعيد"يكمن في إرباك كلّ النشطاء السياسيين والإجتماعيين حتى تصبح المسألة الأمنية أولى الأولويات

ü    ألا يمكن اعتبار عملية الاغتيال جزء من برنامج"الصّدمة الإيجابية"و/أو"التدافع الاجتماعي"للسّير في دروب خطّط مسارها صندوق النقد الدولي والحكومات الغربية؟

لا شكّ إنّ الوضع الحالي يستدعي التشخيص الدقيق والوصفة العلاجية المناسبة.لكن ما غاب عن الكثير أنّ جذع الأزمة يكمن في المسار الذي اتفقت عليه كل الأطراف التي انخرطت في الهيئة العليا وفي العملية الانتخابية،فهي التي"شرّعت"بداية حفر الأنفاق بتوافق سياسي تلاعب بالأوليات المرحلية وبإقصاءها الممنهج للفاعلين الحقيقيين،فعوض التطارح حول بدائل المناويل التنموية وما تستدعيه من منظومات وآليات مؤسساتية وتمويلية بديلة وعلى ماهية الفاعلين الجدد،تحول المدّ والجزر الى الحلبة السياسية لغاية التموقع بمفاصل منظومة السلط الدستورية والحكومية القائمة منها والتي يراد استحداثها.هذا المسار الذي تعدّدت دروبه الخفية{أنفاق}انسدت آفاقه باعتبار الغلط الحاصل منذ نقطة الانطلاق ومنذ القبول بالمحاصصة السياسية.إذن،الإشكال يكمن في المسار المتّبع،لا في تركيبة الحكومة{أحزاب وأشخاص}التي لا تعد أن تكون غير نتيجة من نتائج التوافق والنفاق السياسي.ها إننا أمام وضع شبيه بالليلة الفارقة بين 14 و 15 جانفي 2011

هل ستعيد"النّخب"السياسية اتباع نفس المسار والتلاطم داخل نفس الأنفاق:إنقاذ حكومة بتغيير الأشخاص بعد محاصصة حزبية،تلجيم وتجريم الحراك الاجتماعي،فزاعات أمنية،تسخير مالي وإعلامي لحملة انتخابية قادمة...الخ؟ هل للقوى التقدمية رأي في مسار بديل قادرة على إنجازه في ظلّ تموقع القوى الحالية واختلال موازينها ؟ تنادي فئة أولى بتحييد الوزارات السيادية وتقليص حجم كوادرها وثانية تهدف الى تركيز حكومة كفاءات تدير شؤون المرحلة الانتقالية خلال الفترة المتبقية وثالثة تصرح بضرورة الاتفاق على خيار حكومة أزمة مصغرة وفق برنامج يعيد ترتيب الأولويات المرحلية يمنع مصادرة حقوق الفئات والجهات المسلوبة ويحدّ من التغوّل الحزبي في مفاصل السلطة الأمنية والقضائية والإعلامية.إن اتفق الجميع على ضرورة التغيير والتحوير الحكومي،أليس من الحكمة أن يجلس الفرقاء حول طاولة الحوار والاستماع الى نبض الشارع وتطلعاته أولا وقبل كلّ شيء،ثمّ المرور الى تحديد الأهداف والوظائف والمدّة الزمنية ثانيا،وليكن الاتفاق على نبذ العنف بكل أشكاله وتفكيك آليات تنفيذه من الأولويات.لكن،ما المانع في الاتفاق على حكومة أزمة  مخضرمة{كفاءات/حزبية}محدودة العدد لتدير شؤون البلاد وفق برنامج متوسط المدى{3أو4سنوات}يراعي الأولويات للحدّ من الاحتقان الاجتماعي والسياسي،وتحييد البلاد عن التجاذبات لفترة طويلة نسبيا حتى تبلغ حالة التوازن الأمني والاقتصادي وفسح المجال لسيرورة التمايز الذي بدء يشهده المجتمع الأهلي،مع التّسريع في نسق صياغة الدستور وتحديد الآليات الديمقراطية/التشاركية وتركيز الهيئات المستقلة{انتحابات،قضاء،إعلام}والسلط التشريعية{مجلس الشعب}والتنموية{سلط محلية وجهوية ووطنية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire