mardi 14 mars 2017

"انتهاء الفلاحة التقليدية !..نحو فلاحة توفّر قيمة مضافة"!..لماذا ؟ كيف ؟ د.عبد المجيد بنقياس - فيفري 2017

BEN GAYESS ABDELMAJID·MARDI 14 MARS 2017 "الوزير يعلن عن انتهاء الفلاحة التقليدية"هكذا ورد بجريدة الشروق الصادرة بتاريخ 19 جانفي 2017 في حوار صحفي مع السيد سمير بالطيب وزير الفلاحة والصيد البحري.الجملة فيها منحى استفزازي،غايتها رجّ العقول بواقع قائم موضوعي أم تحضير الأذهان للبدء في إصلاح فلاحي مرتقب قد يساهم في بناء المنوال البديل،باعتبار أنّ الفلاحة،دائما حسب السيد الوزير:"في قلب المنوال التنموي وهذا لا يكون إلاّ بتصور جديد يرتكز على فلاحة قادرة على إدخال القيمة المضافة"!.بادئ ذي بدء يجب التعريف بالفلاحة التقليدية حتى يتسنى لنا فهم مغزى ومقاصد التوجّه بالخوض في أغوار التمشي والآليات المعلنة والخفية الممكنة. يعرّف أغلب المختصّين الفلاحة التقليدية بتلك التي لا تعتمد التكثيف عند الاستغلال وتعتمد حزمة من التقنيات القديمة عمادها قوة العمل البيولوجية،دواب و/أو بشر،والبشري منها عائلي في الأغلب،لا تعمد إلى التكثيف،لأسباب سنذكرها لاحقا،وذلك باستعمال الأصناف المحلية،سواء كانت نباتية أو حيوانية،وتعتمد إلى إدماج تربية الماشية كقوة عمل ولإنتاج الحليب واللحم والصوف والجلود وغبار للتسميد العضوي.الفلاحة التقليدية تستكمل حلقاته في المنزل الريفي بتحويل وتصبير المواد للاستهلاك العائلي بالأساس ثمّ تصريف فائض الإنتاج وفق أسلوب التبادل السلعي.تميّز هذا النمط من الانتاج الفلاحي بضعف المردود الانتاجي باعتبار محدودية الطاقة الانتاجية في علاقتها بالأصناف الجينية المعتمدة(نباتية وحيوانية)وفي علاقة بضعف قدرة إنتاج الأراضي لأسباب طبيعية وأخرى بشرية تاريخية.كما أنّ للوضع الجغرافي تأثير هام في مردود النبات كما الحيوان،في علاقة بكميات الأمطار والنسق والوتيرة الموسمية والسنوية.إذا نعتبر أن ولوج الميكنة بكل الضيعات،ملكا أو بالكراء،عندها يمكن التصريح بأنّ الفلاحة التقليدية قد انقرضت،فيما عدى بعض الفلول بالفجوات الغابية،وحلّت محلّه فلاحة"عصرية"تعتمد على الميكنة.لكن تصنيف الفلاحة بين تقليدي وغير التقليدي لا يتوقف على مدى استعمال الميكنة فحسب.عديد الخبراء والمنظمات العالمية يعتبرون أن الفلاحة التقليدية بالعالم هي العمود الفقري للاقتصاد الريفي،فهي التي توفر أغلب المواد الفلاحية،مواد ذات نوعية مستحبّة،وهي أكثر قدرة تشغيلية من الفلاحة التي تعتمد الميكنة.كما تبيّن عديد الدراسات أنّ الشروط الموضوعية لانتهاء الفلاحة التقليدية لم تتوفر بعد،لأنّ أغلبها دخل عصر الميكنة لكنّه لم قطع بعد مع بعض التقاليد الفلاحية كاعتماد البذور المحلية وتقليع الأعشاب الطفيلية والحصاد أو الجني يدويا. إنّ نمط الفلاحة التقليدية هو أقرب أنماط الانتاج للنمط الفلاحي البيولوجي،وهو أقرب أنماط الانتاج للنمط التضامني الأسري والمحلي،وهو أكثر أنماط الانتاج محافظة على البيئة وعلى التنوع البيولوجي وعلى ثرائه،وهو المتداول بأكثر الضيعات الفلاحية الصغرى خاصة حتى وإن استبيحت بالميكنة في غالبها وبالأسمدة والمواد الكميائية في جزء صغير منها.إنّ القضاء النهائي على ما تبقي من حزمة التقنيات التقليدية،وفق نواميس"الموت الرحيمة"،يعدّ تجنّي وتطاول على واقع موضوعي لم ينضج ولا يُراد له أن يكون.لذا،فالتساؤل عن ماهية الدوافع التي تحيز للقضاء ما تبقى من أساليب الفلاحة التقليدية؟ما هي الأهداف الحقيقية والآليات الممكنة؟ إن الانحصار بين أصابع أخطبوط العولمة له متطلبات وشروط شمل كلّ المجالات بما في ذلك الفلاحة،هذا النشاط الانتاجي ذو الموقع المحوري في الاقتصاد التونسي.فشروط العولمة حمل ضاغط هادف لـ"تاهيل"القطاع الفلاحي،في مرحلة أولى،حتى يتسنى له توفير مواد تتوفر فيه شروط كمية ونوعية مستحبّة من طرف الأسواق الخارجية،الأوروبية بالتحديد،وهي شروط مضمّنة بوثيقة مشروع"اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمّق".شرط كمّي ونوعي لا يستقيم إلاّ باعتماد نمط انتاج يضاهي ذاك المعتمد بأوروبا،أي نمط يعتمد الميكنة الحديثة والروبوتيزم والأسمدة والحوامض الآمينية إلى جانب التحويل والتصبير والتعليب السليم.أي أنّ بديل الفلاحة التقليدية سيكون حتما الفلاحة الصناعية (العصرية) ! لساءل أن يسأل،هل تتوفّر في تونس الشروط الموضوعية لمثل هكذا "بديل"؟ أوّل ما يبادر إلى الذهن للقيام بإصلاح فلاحي هو ذاك الصاري المحوري المتمثل في الهيكل العقاري الفلاحي.فالفلاحة الصناعية لا يستقيم حالها وجدواها إلاّ إذا توفرت جملة من الشروط المتمثلة في حدّ أدنى من سعة المساحة العقارية وتوفر مصانع تنتج وسائل العمل وقطع الغيار بكلفة غير باهضة وكذلك بالنسبة لمستلزمات الإنتاج(أسمدة وبذور وطاقة)وتوفر سوق لاستيعاب الإنتاج.هل تتوفر هذه الشروط في تونس؟أولا،لا يفوت التذكير بتنوع التربة والمياه بالبلاد التونسية وتنوع أنماط ملكيتها.ثانيا،إنّ كثرة الضيعات الصغرى(تفوق الـ 75 بالمائة)وتشتّتها(2 قطع فأكثر متباعدة بأكثر من نصف كلم)لا يستقيم معها نمط الانتاج الصناعي لاستحالة الميكنة بحكم غلو كلفتها واستحالة ادماج سلالات حيوانية ذات القدرات الانتاجية الهائلة التي تتطلب توفير الكمّ الهائل من الأعلاف النباتية.إنّ معدل مساحة الضيعة الفلاحية بتونس تساوي الـ 10 هك(75هك بفرنسا)لا يسمح بأسلوب إدماج حيواني من هذه الأصناف المؤصلة.كما أن أكثر من ثلث الأرض الفلاحية بتونس بين أيادي أقلية(4 بالمائة)،وهي فئة مختصة في الشمال بإنتاج الحبوب والأعلاف الخشنة للمضاربة وفي الوسط الساحلي بالزياتين(ثلث الأراضي الفلاحية).جدير بالتذكير بأنّ الضيعات الفلاحية الكبرى تلاقي صعوبات جمّة لاقتناء الميكنة الفلاحية وتوابعها ومستلزمات الإنتاج لغلاء أسعارها وهو ما يفسّر ترهّل أسطول الميكنة وضعف المردود.وكما هو معروف،الميكنة الفلاحية تستدعي استهلاك كبير للطاقة،مازوط وكهربة الأبار،وهي مكلفة نسبيا.فشرط تقييم وتوقيم صاري العقار الفلاحي صلب منوال بديل غير وارد بأجندة الحكومات المتعاقبة.وإن طرح الموضوع فإنّ الوصفة الجاهزة هي:"على الفلاحين الانخراط في تعاونيات فلاحية !"،وذلك بضمّ الضيعات الصغرى والمتوسطة صلب وحدات انتاج تعاضدية-تضامنية،ويطرح الموضوع ثانية عند ذكر أراضي الدولة الفلاحية.فالمقاربة الحكومية لا تتعدّى بعض التعديل بمخزون عقار الدولة الفلاحي،و"تأهيل القطاع"لا يمكن أن يهمّ سوى الضيعات الكبرى و/أو الضيعات المتوسطة التي تعتمد أسلوب الريّ.إذن قد تشهد الفلاحة نمطين متوازيين،نمط أول يعرّف بالـ"صناعي" وآخر "تعاوني-تضامني".هل الحكومة عازمة فعلا على المضي في هذا الاتجاه؟ فليكن الأمر كذلك ونعتبرها خطوة إلى الأمام ! لكن هل هذا كافي لوحده للإقلاع بالفلاحة من التقليدي إلى الصناعي؟ طبعا لا! لأنّ الإصلاح الفلاحي لا يستقيم دون انخراط واعي وإرادي من طرف المعنيين المباشرين،أي الفلاحين الصغار والمتوسطين،هذا الذي يتطلب نشر وشرح العوائق بالتوازي مع طرح البديل بأهدافه العامة والخصوصية وآليات التنفيذ التشريعية(حوافز)والأهداف...الأهداف !هذا مربط الفرس كما يقال.إذا كان الهدف من عملية الانتاج الفلاحي،النباتي والحيواني،هو تصدير مواد فلاحية طازجة وأخرى معلّبة فيا خيبة المسعى ! لأنّ كلّ إصلاح يجب أن يحترم ما جاء بالدستور: السيادة ! يجزم أغلب المفكرين من اقتصاديين وسياسيين والمختصين بالشأن الفلاحي بأنّه لا يمكن ضمان سيادة للدولة بدون ضمان السيادة الغذائية.والسيادة الغذائية تشترط انتاج مواد فلاحية تفي بحاجيات كلّ مواطن تونسي،ولو باعتماد آلية الدعم الموجّه في بعض الحالات،ولزائريها(سياح).أمّا الفائض من الإنتاج فيجب أن يجمع ليصنّع ويعلّب ويخزّن للضرورة،لا أن يصدّر للخارج وخاصة تحت طائلة تلك الشروط المجحفة الواردة باتفاقية التبادل الحر،التي بشروطها تهدف إلى تقليص الحجم والقيمة.فأيّ قيمة إضافية منتظرة بهكذا تحايل تشريعي ! ثمّ ما القصد بـ"الفلاحة التي توفّر القيمة الإضافية"؟ أليس من الأجدر الحديث عن"فلاحة تقلّص من نزيف العملة".سؤال يخامر ذهن الكثير:ما الذي يمنع الدوائر المسؤولة من التشجيع على انتاج القمح اللّين الذي ازداد حجم استهلاكه بتونس،وهو الأكثر مردودية والأكثر مقاومة للجفاف والأكثر مقاومة للأمراض الفطرية من القمح الصلب؟إنّ أخطبوط الشركات الاحتكارية لا يعترف بالضمانات الربحية حتى ولو كانت السلع ذهبا أو نفطا،فما بالك بمواد فلاحية قادرون على انتاج أغلبها بالاستحواذ عليها بطرق ملتوية في عديد البلدان،بل هم يحوزون على فائض كبير يساومون به الدول زمن الجفاف والحروب لغاية إخضاعها للتقسيم العالمي المراد تجسيمه من خلال الاتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف.في هذا الباب فلتكشف الأوراق للتصارح والتطارح البنّاء،لنقل صراحة بأنّ قدر تونس أن تنتج زيت الزيتون ودقلة النور وبعض الخضر الطازجة.فحتى القوارص فقد بان للعيان،خلال الأزمة الأخيرة،بأنها ليست من اهتمامات دول الاتحاد الأوروبي الذي ولّى أكثر من شطر وجهه إلى البلدان الشرقية المنضوية تحت لوائه.فعلا،للفلاحة التونسية نقاط قوتها يمكن اعتمادها لتطوير بعض الأنشطة،فلا أخال أحد يعارض مشروع الـ"مليون زيتونة"،ولا أخال أحد يعارض تعدّد الأسواق الخارجية لتصريف الزائد عن الحاجيات الاستهلاكية الآنية والمتوسطة المدى.عكس هذا يصنف في خانة المضاربة التي قد لا تنتج القيمة المضافة المرجوّة.للتذكير كذلك بأنّ بالدستور إشارة لحقوق اجتماعية وبيئية وصحية،كما يتضمن ضرورة التمييز الإيجابي لفائدة الجهات والأفراد الأكثر تضرّرا.فما علاقة التحفيز المالي لتجديد أسطول الآلات الفلاحية،الباهضة الثمن،والكلّ عارف بطبيعة الفئة المنتفعة مسبقا(فلاحين كبار).وما علاقة التكثيف من استعمال مستلزمات الانتاج الكميائية بالضيعات الفلاحية أو بوحدات التحويل والتصنيع الغذائي بالصحة البشرية وبالبيئة السليمة! من خلال هذه الأمثلة ومن نافذة - الملك العقاري الفلاحي- نستشفّ أنّ التمييز الإيجابي موجّه لفائدة الفئات الأكثر نفعا لا الأكثر ضررا. أما عن الآليات غير المصرّح بها فهي متعدّدة تمتاز ببُعدها الإقصائي،لعلّ أهمّ محاورها:التسويق والتمويل.فآليات التسويق ستعمل إلى تضييق مجال السوق المحلي بـ:(أ) تشجيع التصدير؛(ب) تحيين كرّاسات الشروط الموضوعة وصياغة أخرى وفق شروط الاتحاد الأوروبي،بدواعي صحّية تحت يافطة:"صحّة المستهلك أولا وقبل كلّ شيء !"؛(ج)رفع الدعم عن المواد الأساسية أو توجيهه في أحسن الحالات؛(د)فرض وجهة وحيدة للتسويق المحلي نحو وحدات صناعية لتحويل وتصبير المواد الأولية.وهل هناك ضمانات لتحقيق فاض قيمة بهكذا تحويل صناعي؟ ما يعانيه الفلاحين بصفة دورية من جرّاء تلكّأ مركزيات الحليب ومصانع الطماطم كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.أمّا ثاني الآليات الاقصائية - التمويل- فالآليات المعتمدة حاليا اقصائية بطبعها،وستزداد صرامة أكثر مع الفلاحين الصغار عند تخلّي الدولة عن بعض خطوط التمويل التقليدية المخصّصة للفلاحين الصغار،مثل صندوق المخصص للتنمية الفلاحية (FOSDA).وقد لمّح السيد الوزير خلال الحوار إلى ضرورة البحث عن سبل أخرى خصوصية للتمويل الفلاحي. هكذا،أمام تقليص مجال التسويق المحلي وتقليص مسارب التمويل الفلاحي،لم يبقى أمام جلّ صغار الفلاحين وكثير من متوسطي الفلاحين سوى اللّجوء إلى الانتاج لغاية الاستهلاك العائلي أو الانخراط في نمط الانتاج التضامني-الاجتماعي أو الانسحاب من النشاط الفلاحي بالبيع أو الكراء.هناك شبه استحالة أمام المنحى الأول باعتبار حالة الـ"تمدّن"الذي شهدته الأرياف التونسية،عدى البعض منها الواقعة بمناطق جبلية أو صحراوية معزولة التي لا نشاط لها سوى نشاط تربية الماشية بأسلوب الرعي غير مراقب والعشوائي.فمن مظاهر"تمدّن"أهالي الريف هو التخلي عن طرق التحويل والتصبير والخزن التقليدية باعتمادها على الطازج والمعلّب من المواد الغذائية الصناعية،إلى جانب نمو الاستهلاك لمواد أخرى غير غذائية(ملابس،آلات كهرو-منزلية).هذا النمط الاستهلاكي وتنوع المواد،فرضا على الفلاحين ومربي الماشية أن يبيعوا جزءا من إنتاجهم بمقابل مالي(انتهاء عصر التبادل السلعي)حتى يتسنى له اقتناء حاجياته.أمّا المنحى الثاني،أي التأسيس الإرادي لوحدات تعاضد وتضامن للإنتاج الفلاحي،فهو خيار ممكن بل مستحبّ.لتحفيز هكذا مسار،من المحبّذ أن تبادر الدولة وذلك بإعادة هيكلة أراضيها بتأسيس وحدات انتاجية مثالية تكون بمثابت منارة يهتدي بها بقية الفلاحين.أول الإجراءات الممكنة هي إحداث تعاونيات للفنيين الفلاحيين من خريجي المعاهد والمدارس الفلاحية العليا وأخرى للشبان الفلاحين من أبناء الجهات التي بها أراضي فلاحية دولية.يمكن تفعيل هذا الخيار،بشروط محيّنة،على الأراضي الدولية المصادرة و/أو تلك التي بين أيدي ديوان الأراضي الدولة مع الحفاظ على وحدات تعاضدية للإنتاج الفلاحي القائمة حاليا.بالتوازي مع ذلك،هناك مجال للفعل ذاته على الأراضي الاشتراكية القائمة خاصة بجهة الوسط والجنوب الغربي.فبدلا من المقاربة التي ترنو إلى تشتيت الأملاك الاشتراكية بتعلّة التأهيل للتمويل والاستثمار،من الفائدة أن تطبّق نفس المقاربة،مع مراعاة بعض الخصوصيات،حتى يتسنى للفئة الشبابية التي تثبت اشتراك أحد والديه أو من يكفله في الملكية المشاعة بالانخراط في النشاط الفلاحي. هل أنّ مثل هذه المقاربة الهيكلية لأملاك الدولة والأراضي الاشتراكية كافية لتحقيق القفزة النوعية المرجوّة ؟ الإجابة طبعا لا.لأنّ الإصلاح الهيكلي للعقارات الفلاحية الخاصة ضروري حتى تكتمل أضلع الإصلاح الفلاحي.كما أنّ تطوير الجانب الفني-التقني ضروري،لأنّ الإصلاح الفلاحي جزء من ثورة زراعية،وكلّ ثورة لها ميزاتها التقنية والتكنولوجية.ولا يفوت التذكير بأنّ من أصعب المعيقات أمام التنمية الفلاحية هي ندرة المياه وملوحتها،خاصة أمام التغيرات المناخية الجارية.لذا وجب وضع استراتيجية بحثية علمية لاستحداث بذور ومشاتل قادرة على تحمل ندرة وملوحة مياه الريّ وذلك باستحثاث المؤسسات البحثية في هذا المجال،كما يجب التسهيل لاستعمال الوسائل ذات التقنية الحديثة للتقليل من ملوحة المياه والتشجيع على التداول الزراعي وعلى اقتناء بيوت الاستنبات التي أثبتت جدواها لإنتاج الخضر والأعشاب العلفية الخضراء. الفلاحة التونسية جزء منها برّي والآخر بحري،وهو غالبا ما يغيّب البعض الفضاء البحري من تصورات التنموية الفلاحية،وإن ذكر فباعتباره فضاء للجني ليس إلاّ،وأكبر دليل على هذا الإهمال هو عدم إدماج مساحة المياه الإقليمية بالمساحة الجملية.فليعلم من لا يعلم أنّ المساحة البحرية تقدّر ما بين 25-30 ألف كلم².وهي مساحة لا يستهان بها،وهي حاوية لثروات سمكية ولمواد الطاقة التقليدية (نفط وغاز)وقد يصبح،وفق توجه الحكومة الحالية،إلى مصدر لمياه الشرب والريّ.الملك البحري محوّز عادة للدولة ولا يجوز للمواطنين حق الملكية بل الاكتفاء بحق الاستغلال.لكن إذا كانت التجاوزات على الشريط الساحلي بائنة للعين المجرّدة فإنّ التجاوزات الحاصلة بالمياه الإقليمية كثيرة والفاعلون من الداخل والخارج لنهب الثروات السمكية الوطنية.لقد أثار أهالي جزيرة قرقنة الموضوع منذ مدّة،قبل حتى 14 جانفي 2010،ولا زال مطروحا لأنّ المحتكرين من فصيلة "قرش البحر"فرضوا أنفسهم على البقية بما في ذلك الحكومات المتعاقبة.إلى جانب الجني بالبحر،وجب وضع تصور لتربية وإنتاج الأسماك بالبحيرات المتوفرة وفق تمشي يراعي مصلحة الأهالي المحيطة بالمواقع،أي"تعاونيات فلاحية بحرية لإنتاج الأسماك".هذا الموضوع يجب وضعه تحت المجهر بتوفير المعلومة والإرشاد الفلاحي ويقع إدراجه صلب محاور المنوال التنموي البديل. في الأثناء،لا يفوت أن نذكر بأن كلّ قوّة عمل لا بدّ من طاقة للتشغيل،والميكنة الفلاحية تستدعي كميات لا يستهان بها من المحروقات(مثال:50-70 لتر/هك حبوب)،هذه المواد الكلفة ماليا وبيئيا،في حين أنّ بديل الطاقة الأحفورية متوفر ببلادنا،ويجزم الخبراء بأن كلفته أرخص مقارنة بالمواد النفطية والكهرباء.فالطاقة الشمسية بوفرتها وديمومتها ونظافتها هي الحلّ الأنسب للتقليل من كلفة انتاج المواد الفلاحية،فأموال الدعم التي تصرف على استهلاك المواد الاساسية كافية لحبك نسيج للطاقة الشمسية يغطي كامل البلاد،ولو على مراحل.وبما أنّ هناك نيّة لبعث أقطاب للصناعة الفلاحية بالجهات،فالطاقة الشمسية تصبح موضوع ذو أهمية قصوى،حتى يتسنى للفاعلين بالتحكم في كلفة الانتاج خلال كل المراحل وهكذا يتوفر أحد جذور الرّفاه والأمن الغذائي :استهلاك مواد ذات أصل فلاحي صحية بفضاء بيئي خالي من التلوّث وبأسعار في المتناول. أخيرا،للتأسيس لمنوال تنموي بديل يجب القطع من المقاربة القطاعية التقليدية،كل قطاع يخطط على حدة،وكل وزارة على حدة،وكل مندوبية جهوية قطاعية على حدة،لأنّها مقاربة تعتمد ازدواجية المركزة والتخصص،وهي مُسقطة وغير تشاركية،في حين أن التنمية نشاط تشاركي بالضرورة وهي مجال يشمل كل القطاعات بحكم تقاطع مصالح كل نشاط وبحكم مسرح النشاط - الجهات بخصوصياتها-.يعتبر عديد المفكرين أنّ التنمية الاقتصادية العصرية عمادها الجهة - كموارد متنوعة بعضها قابل للفناء وأخرى دائمة التجديد،ومواطنين منتجين ومستهلكين،ملاكين وعمال،تقنيات تقليدية أو حديثة-وليست المؤسسات.وإن كان لزوما لهذه الأخيرة فيجب أن تكون للمرافقة والإسناد،يجب أن تكون جزء من ألياف نسيج الجهة،لذلك طرحت البدائل المؤسساتية التنموية المحلية والجهوية لتحاذي المسار التنموي،بعض هذه المؤسسات للإشراف التشاركي التقني والعلمي والأمني،مع شرط انتخاب أعضاء السياسي منها،على شاكلة المجالس المحلية والجهوية للتنمية والإقليمية لكل بشرط أن تكون ذات سلطة تقريرية وذات بُعد جغرافي لا ديموغرافي،أي انتخاب"مجالسيين"يمثلون الأرياف التابعة بكل معتمدية،وهو ما استكثره بعض السياسيين على أهالي الريف ! د.عبد المجيد بنقياس - فيفري 2017

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire