lundi 14 novembre 2016

هيبة الدولة - عبد المجيد بنقياس


انطلقت الحملة الانتخابية بداخل كلّ المؤسسات الإعلامية وبكلّ فضاء عمومي.كلّ يغنّي على ليلاه ! لكن ما يسترعي الانتباه هو ما يدور بوسائل الإعلام وخاصة التكرار المتعمّد لسؤال مفتوح أو موجّه - وفق قدرات الضيف وموقع الحزب - حول مسألة يراها البعض محورية ألا وهي"هيبة الدولة".عند طلب المنشّط الإعلامي من رجل السياسة عن أولوية برنامج حزبه يستشفّ المتلقّي ارتباك الضيف المتحزّب لأنّ مسألة"هيبة الدولة"هاجس حزبي صعب المنال،ويعي بأنّ الذهن خالي التفكير بحكم الجُمل المحفوظة للترديد، ويتخيّل أو يرى اللّعاب متطايرا يكاد يتعدّى غشاء جهاز التلفاز أو المذياع للقول بأنّ الحزب مصمّم على إعطاء الأولوية لهيبة الدولة المفقودة – وكأنّ للدولة السابقة هيبة سابقة !..كلمة حقّ يُراد بها باطلا !لفهم هذه الانفعالات وجب العودة إلى مفهومي الـ"هيبة" والـ"دولة"وعلاقتهما بخيارات وأولويات تلك الأحزاب السياسية.
يقال:"خاطب الجمهور بهيبة أي باحترام وإِجلال"..ويقال:"هاب الرّاعي بغنمه أي صاح بها لتقف"..كما يقال:"هاب الطالب أستاذه أو من أستاذه بمعنى عظّمه ووقّره وأجلّه"..فالهيبة إذن هي مؤشر معنوي لذات شخصية أو معنوية،زئبقي التفسير فهو تارة جالب للاحترام إلى حدود الرعب وتارة أخرى فارض للتّبجيل إلى تخوم التّقديس.أمّا ركائز الهيبة فتكمن في آليات الحكم والتصرّف،وفي التّمشي المعتمد عند اتخاذ القرارات الهامة،وفي القدرة على الإنصات والإقناع،وفي مدى الالتزام بإنجاز الوعود.إذا للهيبة أطياف متعدّدة محصورة بين طيفي التّبجيل والتّقديس يمكن أن تتمظهر بألوان قزحية تتراوح بين الاحترام والرعب.أمّا الدولة،كما حدّد مفهومها أغلب المفكرين،فهي ذات معنوية مجسّدة لغاية التّبسيط بثالوث الفضاء الحياتي حيث الموارد الطبيعية،والمواطنون بما لهم من حضارة مشتركة ومصالح متقاطعة،والمؤسسات التي يدير من خلالها المواطنون شأنهم العام.
إنّ التّاريخ ينبّه بأنّ هيبة الأشخاص والدول لا تُفرض بالإرهاب والقمع والتّقديس بل تُقبل بالقول الصادق والفعل الحسن.
لسائل أن يتساءل عن الكيفية المثلى لتأسيس"هيبة الدولة".أخذا بعين الاعتبار لمفهوم الدولة الذي سبق فهيبة الدولة من هيبة مواطنيها وأساسها حسن التصرف – إنتاج وتقسيم - في الموارد الطبيعية وفرض السيادة الفضاء الحياتي لا بإرهاب المواطن ونشر قواعد التّقديس وخرق قواعد التسيير التشاركي.إذا أراد البعض رتق هيبة الدولة المفقودة منذ عقود عليه بتطبيق أنفعها أي تلك المبنية على احترام كلّ المسؤولين بالمؤسسات – عمومية أو خاصة - لكلّ مقتضيات التصرف الحكيم في الثروات لتحقيق شروط الرّفاه المادي وغير المادي وتقديم أحسن الخدمات لكلّ المواطنين وفي آجالها المعقولة بدون محاباة وفساد.هيبة الدولة تُبنى باحترام المسؤول التشريعي والتنفيذي والقضائي لكلّ بنود الدستور وإنجاز الحزب أو التوافق الحزبي للجزء الهام من الأولويات الشعبية.لكن لا يخفى على أحد أنّ المواطنون عدد من الأشخاص ينتمون إلى فئات عديدة متقاطعة المصالح وهي في أغلبها متضاربة مع مصالح فئة قليلة العدد مستحوذة على جلّ الموارد الطبيعية وتنعم بفوائض قيمتها وهي المتحكّمة بكلّ المؤسسات الدستورية والإدارية إلى حدّ التّماهي مع مؤسسات الدولة.من هذه الزاوية نرى أنّ هيبة الدولة مشروطة بإعادة النظر في منوالي الحكم والتنمية.
يعتبر البعض أنّ هيبة الدولة في علاقة وطيدة بالقانون والمؤسسات وهي عنوان للانضباط والطاعة.
تتصور أغلب الأحزاب الليبرالية التي تتّدعي الديمقراطية أنّ هيبة الدولة تكمن في التأسيس لاستقرار مناخ النهب تحت يافطة "توفير المناخ للإستثمار والتشغيل".فهيبة الدولة التي يقصدها هؤلاء هي مقايضة المواطن المهمّش والمعطّل – وهم الأغلبية - بين الاستكانة لتوفير مواطن الشغل وتعديل الأسعار أو العنف "الشّرعي" والإرهاب الغير شرعي والفوضى.فهذه الأحزاب ترى هيبة الدولة من خلال تكبيل الأيادي لكي لا ترفع شعار"ديقاج"أمام كلّ مسؤول خرق بالقانون وأضرّ بالمؤسسات وأخلّ بوعوده فهو واهم..لكلّ من يُزوّق هيبة الدولة بالعنف لغاية غلق الأفواه حتى لا تنادي بشعار"التشغيل استحقاق يا عصابة السّرّاق"فهو ظالم..من يفترض فرض تشييد البنية التحتية لتسهيل المتاهات البرية والبحرية والجوية أمام عصابات النّهب المحلية والأجنبية بقروض مغرضة فهو حالم..لكلّ من يظنّ أنّ هيبة الدولة في المنشآت والتجهيزات القمعية عوض تشييد المنشآت الصحية والتربوية والمائية فقد أساء الظنّ.فكلّ حزب سياسي يروم التأسيس لهيبة الدولة عليه باعتماد الحوكمة عوض الحكمة والحكم المسقط بأن يراجع رؤيته لمنوالي الحكم والتنمية(الحوكمة)حتى يسهل عليه إنجاز أولويات الأغلبية المهمّشة في المكان والزمان المسطّر وأن يعتمد على الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة بالبلاد وإلاّ فإنّه لن يقدر على ذلك فتصبح الدولة محلّ انتقاد لا قدوة،ومحلّ عدم احترام لا حُرمة،ومحلّ كنس لا تقديس.وإن رام بعض الأحزاب أو التحالف الحزبي استعمال نهج التقديس للشخص الكاريزمي والخضوع للمؤسسات التي لا تأبى إلاّ تأبيد الأوضاع بحكم استحالة استقلاليتها-لأنّ من أسس هيبة الدولة في ذهن هؤلاء إخضاع المؤسسات والأفراد- فإنّ وسيلته لن تكون غير العصا الغليظة وتلك سياسة لها ارتدادات لا تُحمد عقباها،لذلك نرى الإرباك عند المحاورات الإعلامية حول مغزى وآليات"هيبة الدولة".
لهذا وذاك وجب التفكير في منوال يعتمد الجهة –ثروات خصوصية،تركيب سكاني خصوصي- كفاعل أساسي عوض المؤسسات الجهوية الخاضعة لسلطة الحكومة المركزية  أو لصاحب رأس المال.لا يجب أن يغيب عن ذهن كلّ مهتمّ بالشأن العام أنّ كلّ مواطن-مهما كانت الفئة التي ينتمي إليها-هو منتج ومستهلك في ذات الآن لعدد هام من الإنتاج – مادي وغير مادي- وفق قدراته الجسمية والفكرية والمالية ولكلّ أولوياته الاستهلاكية.لذا فهذا البُعد له أسس تاريخية جهوية –أنتروبولوجية،طبيعية-وهي مبرّر آخر لإعادة التقسيم الجغرافي حتّى نقطع مع النّهب الجهوي والإقصاء الفئوي.الجهة فاعل أساسي يعني تشريك المواطن في التصورات والإنجاز لتثمين الموارد المتوفرة وتقرير كيفية تقاسم فائض إنتاجها وفائض قيمتها بالتوازي مع استرجاع الدولة لوظيفتها الاقتصادية والاجتماعية لتوفير كلّ شروط النّماء الشامل بالجهات وخلق ديناميكية بين الجهات والمحيط الإقليمي والكوني.هذا التصور يفترض إعادة النظر في التقسيم الفضائي الحالي،القائم على أساس أمني(عنف)ومركّز(استحواذ ونهب)،حتى يتسنّى إقامة مؤسسات جهوية بإشراف وزراة التنمية الجهوية،فتكون بذلك كلّ المندوبيات الجهوية وتوابعها المحلية(فلاحية،صناعية،سياحية،ثقافية،تربية..الخ)والمؤسسات الخاصة الجهوية وفروعها المحلية(إنتاج،خدمات)وكلّ خلايا المجتمع المدني المحلي والجهوي(جمعيات،أحزاب،نقابات،مجالس محلية وجهوية منتخبة)في علاقة تشاركية هادفة تجلب احترام الجميع وتضمن هيبة المؤسسات وتحترم قوانين لأنّ المواطن جزء منها،مساهم في تسييرها وفي صياغة آلياتها وهادفة للنماء الشامل.
-ع.ب.ق-





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire